Thursday, February 25, 2010

احتفالات العيد الوطني

مقدمةٌ


أعشق الخامس و العشرين من فبراير، لأنه من الأيام التي تعودت فيها على الابتسامة و الاحتفال به مع الأهل كل عام، ولكن ما أحزنني اختلاف مفاهيم الفرح و الاستمتاع بهذه الأجواء لدى الأطفال، أتذكر احتفالاتنا العائلية في العيد الوطني، التي كان والدي عبد الله بن القرمتي يقص علينا أفضال أمير الكويت الحادي عشر الشيخ عبد الله السالم، و مواقفة الرجولية، فضلا عن دفاعه المستمين لاستقلال الكويت و الدفاع عن الحريات العامة، حتى أنه جلعني أحفظ مقولته "إن ثروة الكويت ملك للشعب وأنا حارسها".


في المقابل، انصدمت عندما استقبلنا في منزلنا قبل قليل مجموعة من أطفال العائلة الذين تزينوا بالأعلام الوطنية، تملؤهم السعادة، وبما إنني المحبب إلى قلوبهم، استجمعت ذاكرتي، وقررت أن ألجأ إلى عادة والدي القديمة في سرد الذكريات، وبما إني قرمت القرمتي المؤرخ الشهير، فإني بدأت الحديث عن حكاية تأسيس الكويت، و ما تبعته من مطالبات الشعب بإنشاء مجلسي المعارف و التشريعي، و من ثم قصة مجلسي البلدي و الأمة، إلى الاستقلال، كان الأطفال مستمتعين جدا بسردي للأحداث، إلى أن تساءلت " نورة " عن أسباب عدم سماعها بهذه القصص في المدرسة، لأجيبها بعبارة والدي الشهيرة " يا أبنتي .. التاريخ الحقيقي هو ما يخفى في الصدور".



**أغنية نادرة لفريد الأطرش يا مرحبا يا كويتنا، أهديت إلى الكويت بمناسبة استقلالها، لم أجدها على اليوتيوب ما دفعني إلى تعلم كيفية رفع الملفات الصوتية إلى اليوتيوب، الأغنية عجيبة!



بداية المتن:

موضوعي الرئيسي اتضح لي فجر اليوم عندما هاتفني أحد من أقاربي، والذي هاجر البلاد منذ أواخر الثمانينيات إلى الولايات المتحدة لممارسة مهنة الطب بمهنية، لن أتطرق إلى الأسباب التي جعلته يترك وطنه و مسقط رأسه، لأنه من الأشخاص الذي احترم آرائه و معتقداته في الحياة، ربما كانت ظروفه مختلفة عن البعض، ولكنه من الأشخاص الذين لديهم رؤية ثاقبة وناجحة في الحياة، تربطني به علاقة وطيدة، نتبادل أطراف الحديث باستمرار، ولكن حديث الأمس كان مميزا و شيقا و مفاجئا في الوقت نفسه.


وبما أن اليوم – حسب توقيتي- العيد الوطني، تساءل قريبي لا يزال الناس يحتفلون بالأعياد الوطنية بالطريقة الرجعية " الدخيلة " في استخدام علب " الفوم " الحارقة للعيون؟، أجبت " بالطبع، الكويت لم تتغير شيئا، و إن تغيرت فهي للأسوأ"، ضحكتنا قليلا، إلى أن بدأ في الحديث عن الكويت القديمة، والتي كانت وزارة الإرشاد و البرق " الإعلام سابقا" تقيم حفلات غنائية كل شهر تستقطب أشهر المطربين العرب ابتداءً من صباح إلى فريد الأطرش وصولا إلى أم كلثوم و عبد الحليم حافظ.


ويتابع بنبرة حارقة " راحت ذيج الأيام، كان الشيخ عبد الله السالم يريد أن يحتفل الشعب بالعيد الوطني، و من شدة حبهم له، قرر جمع يوم جلوسه في العيد الوطني، وكنا نحتفل سنويا بلقائه، فكانت سنة ١٩٦٢ علامة فارقة لنا، أتى حديثه عن الاستقلال و واجباتنا تجاه الوطن و العروبة كبيرة، بعدها سادت الأغاني الوطنية أحيوها مطربين كبار".


كنا نقرأ الصحف اليومية تخصص صفحات متكاملة تبدأ بكلمة خاصة من سمو أمير البلاد، و تتابعها بكلمات جميع أعضاء السلطتين التشريعية و التنفيذية، فضلا عن التجمع في الدواويين و غيرها من الأنشطة الوطنية و القومية، والتي تحتفل بهذا اليوم و تذكر بأهمية الدستور و التمسك بمضامينه"، ولم استطع الإجابة على تساؤلاته عن الوقت الحالي، ولكني أوضحت الأجواء الاحتفالية التي يستمع بها الأطفال، أما البعض الآخر قرر استثمار وقته خارج البلاد، فالإجازة تمتد إلى ٥ أيام.


إضغط الصورة لتكبير الوثيقة

عدت إلى المنزل، وكعادتي السنوية التي أشاركها مع والدي عبدالله القرمتي بفتح " أرشيفي الصغير " و استخراج كل ما يتعلق بمناسبة اليوم وهي الاحتفال بالأعياد الوطنية، العيد الوطني تحديدا، مالفت نظري الكثير، ولكني قررت مشاركتم بصفحة واحدة من العدد الثالث لصحيفة القبس، وهو تحقيق موسع مع عدد من المسؤولين في الدولة في عام ١٩٧٣"


من النقاط التي يجب الإطلاع و التركيز عليها من خلال قراءة ذلك التحقيق هو مقدار الحس العربي القومي لدى الجميع، نائب رئيس مجلس الأمة محمد المخلد مثلا يؤكد عروبة القدس و الدفاع عن فلسطين.


آه يالكويت .. وين كنتي و ين وصلتني..


كل عام و أنتم بخير.. أتمنى أن تتمكن مثل هذه المناسبات أن تقطع دابر أحاديث الحل غير الدستور و غيرها من الأمور، و التأكيد على الوحدة الوطنية التي نعرفها.

Sunday, February 21, 2010

الجامع الوجيز في غرائب أسفار القرمتي-02

مقدمةٌ

بإمكاني اختصار رحلتي الاستكشافية إلى مدينة " طنجة " في ثلاثة كلمات بسيطة " جنة الله في الأرض"، ربما يتصور القارئ لهذه السطور أنه بمجرد وصولي إلى المدينة فإن عمليتي الكتابة و الصياغة لما عاصرت و شاهدت ستكون في غاية السهولة، إلا أن كثرة ارتباط المدينة الصغيرة، و خوضها في أحداث تاريخية مهمة، زادت من صعوبة مهمتي أكثر تعقيدا مما توقعت

إن ولادة فكرة السفر و الاستكشاف استهوتني منذ أن توطدت علاقتي مع أمهات الكتب و المراجع، و التي بدورها ساهمت بإثراء خزينتي المعرفية و الثقافية المتعلقة في المدن و البلدان و عواصمها، و عندما نويت الرحيل، أردت أن يدرجني التاريخ كأحد المجددين لمهنة " الرحَّالة " في الكويت، لذا كانت عملية اختيار رحلاتي تتم بعناية فائقة، أفضلها أن تكون المدينة لم يسبق لأحد أن سمع عنها، فهي بذلك تضيف عنصر المغامرة الجنونية، و دائما ما ترتبط هذه المدن بالتاريخ، ولحسن المغرب العربي أن تكون واجهتي الأولى

صنفت الكتب التاريخية مدينة " طنجة" أهم مجمع لالتقاء البحرين الأبيض و المتوسط بالمحيط الأطلسي"، و بنيت على سواحلها أول منارة بحرية على مدخل المحيط الأطلسي،ويتحفنا التاريخ الإسلامي بدورها الرائد في فتح الأندلس، فهي سخرت أراضيها للمسلمين تسلل القائد طريفة بن مالك إلى الأندلس، وبالتالي ساهمت بشكل غير مباشر في نشر الدين الإسلامي الحنيف و تعاليمه في القارة الأوروبية العجوز، لتكون صاحبة الفضل لأعلى نقطة ارتقاء في نشر الدعوة الإسلامية على مر العصور، ولما تحمله هذه المدينة التي لا تتجاوز 863 كيلو متر مربع من معاني مكانة معنوية هائلة فإن رحلتي نقطة مفصلية و الأساسية في تأليف كتابي " الجامع الوجيز في غرائب أسفار القرمتي " و مزاولتي لمهنة التأريخ

و تعد طنجة الموطن الأصلي للأمازيغين (البربر)، والأمازيغية هي لغة حامية عتيقة مثيلة باللغة المصرية القديمة (الفرعونية)، وهي من اللغات النادرة التي لا تزال تمارس، و تتكون الأمازيغية من ثلاثة لهجات رئيسية و ٩ لهجات موزعة على دول شمال أفريقيا الواقعة على غرب الفسطاط (مصر حاليا)، بينما ترجع كلمة " البر بر " إلى كلمة " بارباروس"، ولا تعود الكلمة إلى شخصية فرانشيسكا بارباروس التي جسدتها الفنانة هيفاء عادل في مسرحية باي باي لندن، وإنما هي كلمة لاتينية استخدمها الإغريق في وصف كل من لا يتحدث اللغة اللاتينية، واستعاره الرومان، وأطلقوه على كل الأجانب من القبائل الأوروبية و الأفريقية الخارجين عن سيادتهم، وبعدهم " قلدوهم " العرب

و تقع طنجة في أقصى شمال المغرب العربي (المملكة المغربية حاليا)، و هي أقرب نقطة تلاقي بين القارتين الأفريقية و الأوروبية، بينما تعد مدينة طريفة الإسبانية هي أقرب المدن أوروبية إليها،ولا تستغرق الذهاب إلى طريفه سوى ٣٣ دقيقة فقط، عن طريق السفن البحرية

وباستطاعة الزائر إلى طنجة مشاهدة طريفة من على سواحلها الشمالية، وترجع تسمية طريفة بطبيعة الحال إلى القائد البربري المسلم طريف بن مالك وهو أحد أتباع القائد الإسلامي موسى بن نصير، والذي بعثه في غارة لاختبار الساحل الجنوبي لشبه جزيرة أيبيريا، كدليل ورسول

وحسب المؤرخ الإفرنجي " إدوارد جيبون " فإن مهمة طريف كانت لاكتشاف التضاريس على طول الساحل كنقطة انطلاق ممكنة لهجوم أكبر لاحقا، ودخل طريف بن مالك و سريته المكونة من 140 جنديا في غارة ناجحة إلى حراسة جزء من الأندلس، وشارك طريفة لاحقا طارق بن زياد في فتح الأندلس في 710 ميلادية

بداية المتن

الطريق إلى طنجة

أوصلني الرفيق حسن بن عليوه إلى مطار الدار البيضاء في تمام الساعة العاشرة و النصف مساءً، ولم تستغرق عملية وزن الأمتعة سوى أربعة دقائق، نظرا لعدم حملي سوى حقيبة واحدة، سلمتني "السعلوة" الجالسة أمامي في الجهة المقابلة للكاونتر بنهايتها بطاقة ركوبي المدون عليها مقعدي، إلا أنني تفاجأت بتسليمها إليَّ بطاقتين، أرجعت الثانية، ولكنها أصرت بأنها لي، عندها تبين أن رحلتي إلى طنجة سوف تتطلب التوقف إلى مراكش أولا، و منها إلى طنجة، وسوف يتطلب مني البقاء في مراكش للليلة واحدة،حاولت أن أفهمها بأنني حجزت إلى طنجة مباشرة، إلا أنها لم تفهم لغتي العربية الفصيحة، وعندما خاطبتها باللغة الإنكليزية أجابت

" je ne parle anglais "

بعد إجابتها الأخيرة بدأت ألطم و أردد عبارة سعد زغلول الشهيرة " ما فيش فايدة يا صفيَّة، ما فيش فايدة"، إلى أن تدخلت مديرة " النباطشية"* المملوحة التي تحدثت بنبرة ذكرتني جميع ما تعلمته في الحصص اللغة الفرنسية في الثانوية لأجيب بلكتني الفرنسية المتمكنة

" J'ai Bensoin d'aide, je suis en difficulte', pour qoui

dois-je avoir deux cartes d'embarquement

وأقصد بالعربية طبعا " أنا متوهق ليش عندي بوردنجين أثنين من الدار البيضاء إلى مراكش و من مراكش إلى طنجة " شسوي؟

وكانت إجابتها باختصار أن الخطوط الملكية المغربية لا تملك خطوطا مباشرة إلى طنجة، وأني مضطرا أن أتوقف في مدينة مراكش للليلة، وبعد مباحثات دبلوماسية، تمكنت من إيجاد حجزا لي على متن خطوط طيران تجارية داخلية آخرى، ولكن مقابل مائة و خمسون دولارا

مكثت في المطار أمام بوابة الطائرة، إلى أن أذن لنا موظف المطار الركوب، توقعت إننا سوف نصعد في الطريقة الاعتيادية، وهي المرور في " التيوب " مباشرة إلى متن الطائرة و منها إلى مقاعدنا، إلا أننا اضطررنا الصعود مع الباقيين في حافلة من النوع " الشيوعي " إلى مكان تواجد الطائرة وسط المطار، و في هذه الأثناء لم استطع أن أحبس تهكمي قائلا إلى المسافرين الخليجيين إنه حتى في ركوب الطائرة " بعد يقلدون الكويت ؟ "

صعدنا السلالم و منها إلى بوابة الطائرة، ليستقبلني المضيف " الجيكر " الذي وجهني برعونة إلى مقعدي الذي وقع في الصف الأول من الجانب الأيسر للطائرة اللصيقة للنافذة، أعطيته حقيبة يدي طواعية هذه المرة ليضعها في الكبينة العلوية، وبعد أن اتزنت الطائرة قدم إليَّ الجيكر كأسا من عصير البرتقال المنعش

وبما أن الرحلة استغرقت أكثر من ثلاثة ساعات، خصصت جزء كبير منها للقراءة، أحاول عادةً الامتناع في السفر من دخول دورات المياه، لأسباب متعلقة في نظافة المكان، ولكني اضطربت لتلبية نداء، وبما إنني في الدرجة الأولى" الكحيانة" التي تساوت كراسي تبين الدرجات، شاءت الأقدار أن يكون مكان تواجد دورة المياه مقابل كبينة قائد الطائرة، وطبعا قادني فضولي لاستراق النظرات للحظة، لاحظت خلالها عدم تواجد "دريول " الطائرة في مقعده، وبقي مساعده الذي وجه لي ابتسامة صفراء، أغلق من بعدها الباب " جليل الحيا"

خرجت من دورة المياه – أعزكم الله- لأجد " الجيكر " أمامي فسألته من باب السؤال عن " دريول الطائرة " فأجاب بأنه الدريول بشحمه ولحمه، صعقت لحظتها وسألته بسرعة البرق " شقاعد تسوي توزع عصير ؟ ينيت؟ " فأجاب أن المضيفات تعرضن لوعكة صحية منعتهن من مزاولة عملهن اليوم، وأنه سوف يقوم بدورهن اليوم ، و عندما سألته عن مساعد الكابتن " الردي " قال لي أنه تحت التعليم، فقلت " هلا والله!، رحنا فيها"، لم يفهم ما قلت، ولكني " رقعت" الموقف، وأبديت إعجابي في طريقة الطيران الحديثة التي يستخدمونها، لم يلمس تهكمي لحسن الحظ، ورجعت إلى مقعدي، وبدأت أدعي على المضيفة " الشموحوطة أم إلسان طقاقة" التي أعدت ترتيبات سفري يعلج الضربة، الله لا يوفقج لا دنيا ولا آخره على هالفعلة

وصلت إلى مطار مراكش في تمام الساعة الثالثة فجرا، توجهت بعدها إلى " التيرمينل الثاني" تطلب ذلك إنزال حقيبتي عند مدخلين اثنين قبل الوصول إلى البوابة المنشودة، وصلت عند نقطة التفتيش الأولى، أنزلت حقيبتي لتفتيشها عن طريق الجهاز الماسح، جرى تفتيشي بطريقة سريعة، إلا أن الشاب الذي كان يقف أمامي أخذ حقيبتي و هرب بسرعة عالية ذكرتني بالعداء الأمريكي موريس الخضر ، إلا أنني مع قوة الكافيين تمكنت من اللحاق و الإطاحة به بمساعدة شرطة المطار، ، لم أتصور أن القوة الكامنة التي بداخلي بإمكانها مجارات ذلك الشاب! تصورت نفسي كأني جيسي أوينز من جديد!

توجهت بعد أن حررت المحضر مع شرطة المطار إلى بوابة طائرتي المتجهة إلى طنجة، ولكن هذه المرة استعنت بعربة الغولف الصغيرة، لأني وبكل صراحة فقدت القدرة على المشي بعد أن جريت و هرولت نحو مائة متر بسرعة تخطت الـ 80 كيلو مترا بالساعة، جلست على مقعدي وأنا بدأت أفكر بأن لعنة قد أصابتني بسبب رحلتي أخيرا

الصعود إلى الطائرة كان سهلا هذه المرة ، تمكنت من النوم براحة تامة، استيقظت على همسة المضيف معلنا وصولنا إلى طنجة، وصلت إلى الفندق بسيارة أجرة رخيصة الثمن، عكفت في كتابة مذكراتي و ملاحظاتي، و من ثم نزلت لأسال " الكونسيرج " عن أفضل الأماكن التراثية لتناول العشاء، فنصحتني الذهاب إلى أحد القصور القديمة الشهيرة

وفي أثناء طريقي تجاذبت أطراف الحديث مع سائق الأجرة الرفيق عبدالحفيظ حول طبيعة المدينة، والذي أوضح لي أن هادئة جدا بطبيعتها، مشيدا بدور الملك لإعادة بناء بنيتها التحتية لجذب السياح، وأنه بدأ بملاحظة تحرك حركة السياحة مجددا بعد تلك الخطوات الإصلاحية، دعوت عبد الحفيظ إلى تناول العشاء معي للاستئناس بحديثه الشيق

يقع المطعم الذي توجهنا إليه في أحد القصور المغربية التاريخية، ويتميز القصر ببوابتيه العريضتين يتوسطهما ساحة ترابية واسعة، يجرى فيهما استعراضات فنية مغربية و أخرى أوروبية باستخدام الخيول،و تجرى مراسيم العشاء في الداخل، والذي تكون إجباريا على الجميع من الدجاج و الرز المغربيين، حاولت تناول الدجاج إلا أن الجلد بدا ملاصق للدجاج، ما جعلني أسأل " المتر " إذا كان الدجاج حلال أم أنه جرى ذبحه خنقا، إلا أنه لم يجاوبني على سؤالي، لم أتمكن من تناول العشاء أو الاستمتاع بالأكل طوال رحلتي التي امتدت لأسبوع، و انخفض وزني نحو 8 كيلو غرامات

و هلَّت الأمسية بالغناء المغربي التراثي الجميل، ولكنه سرعان ما تحول إلى حفل راقص صاخب، عندما دخلن النسوة للرقص بطريقة غريبة، تواصلت الوصلات الراقصة لمدة نصف ساعة،جرى فيها إرغام الضيوف على الرقص " غصبن عنهم" -معظم الراقصات من العواجيز الذين تعدون سن الخامسة و الخمسين- ولكم أن تتخيلوا مقدار الأذى البصري و التلوث السمعي الذي تعرضت له، ناهيك عن تعرضي لأول مرة في حياتي للتحرش من قبل إحدى الراقصات الساقطات إلي " صنفت علي "، بعدها قررت الهروب وحيدا إلى الخارج بينما كان عبد الحفيظ مستمتعا بالعرض

في الخارج كانت استعراضات الفرسان سارية،وهي استعراضات أوروبية مشابهة لتلك التي تقام في العصور الوسطى يتصارع الفارسان بالسيوف وهم على ظهر خيولهم العربية، واستمر العراك لمدة ساعة، يتناحرون الفارس تلو الآخر، و البقاء للرابح باستمرار، حتى توج الفارس ذو اللباس الأحمر بخيله الأسود بالبطولة، انتهينا من الحفل في تمام الساعة العاشرة، و اقترح عبدا لحفيظ النوم باكرا، لنتمكن من الخروج فجرا إلى سواحل طنجة الشمالية

DSC01146منارة سبارتيل

في تمام الساعة الخامسة فجرا توجهنا إلى منارة سبارتيل والتي بنيت على البحر المتوسط المطل على المحيط الأطلسي في متوسط القرن التاسع عشر على يد السلطان العلوي محمد بن عبد الرحمن، استغليت الفرصة في الجلوس على البحر مستمتعا بلون المحيط الأطلسي الأزرق المائل إلى الأخضر، بدأت أوجه حديثي إلى عبد الحفيظ قائلا " لم أرى منظرا أراح قلبي و مقلتاي مثل ما أرى الآن، الجو لا يتعدى الـ ١٧ درجة، السماء صافية جدا، البحر في آخر نظافة، مجرد استرجاع منظر الخليج العربي من شاطئ الشويخ سوف يعكر مزاجك

DSC01160داخل مغارة هرقل، و النحت الطبيعي للأمواج

سرينا بعدها إلى مغارة هرقل، وهي إحدى المغارات التابعة إلى منطقة أشقار، التي يعود تاريخها إلى خمسة آلاف سنة قبل الميلاد، ومغارة هرقل عبارة عن كهف عميق تتكسر عليها أمواج البحر عند كل مد، وينفذ إلية الزوار في عتمة ما تلبث حتى تنجلي فتحة النور، وهي نافذة تحت الجبل تل على مياه الأطلس، أما اكتشاف المغارة فكان في 1906، ، وفي تفاصيل رواية المغارة تقول الأساطير أن عراكا قد وقع بين هرقل و أنتي ابن بوسيدون، واستطاع هرقل أن يهزمه، و في أثناء الصراع شقت إحدى ضربات سيفه مضيق البوغاز بين أوروبا و المغرب ثم تزوج بعد ذلك زوجة أنتي، فأنجبت له سوفوكس الذي أنشأ مستعمرة "طنجة”، وفي داخل المغارة حفرة طبيعية مشكلة على هيئة قارة أفريقيا

DSC01162المنظر الطبيعي الخلاب من المقهى

بعد الرحلة المتعبة جلسنا في القهوة المقابلة للمغارة والتي زودتنا بالشاي المغربي الأصيل و القهوة الفرنسية الرائعة، بعدها اقترح عبد الحفيظ بالنزول إلى البحر لاصطياد السمك، وبعد ساعتين من المحاولات لم نفلح باصطياد سوى حذاء قديم “ معفن”

DSC01172

DSC01171

كفاح المرأة لنيل لقمة العيش

في العصر توجهنا إلى السوق المحلي للتفرج على المنتجات الطنجية، وهو سوق مليء بالنسوة المكافحات، يباع في السوق الخضروات، والمجوهرات و الأزياء الشعبية، ولكن يغلب على السوق البضائع البربرية، انتابني من خلال إطلاعي على السوق الشعور بالفخر لهؤلاء المكافحات من أجل نيل لقمة العيش الشريفة

خلال تجولنا في السوق، وقف عبد الحفيظ وجه إليَّ سؤالا مباشرا “ هل تريد يا قرمت حضور حفل زفاف أخي غدا ؟ “، فأجبت بكل تأكيد وأنه سوف يشرفني ذلك، فرد عبدالحفيظ “ ولكن تذكر أن عرسنا سوف يقام في تمام الساعة السابعة صباحا” فأجبته بكل تأكيد!

انتابني الفضول طوال الليل أفكر عن سر إقامة الفرح في الصباح الباكر، وليس العكس، ولم أتمكن من خلال بحثي البسيط في الكتب المغربية، وكان الوقت متأخرا لتوجيه السؤال لأحد، طلَّ علي الصباح وجهزت نفسي إلى الذهاب، وكان عبد الحفيظ بانتظاري منذ الساعة السادسة صباحا

DSC01184 DSC01187 DSC01192 DSC01194

فقرات متنوعة من العرس

كانت وجهتنا إلى مدينة أصيلة الواقعة في شمال شرقي المملكة، واستغرقت رحلتنا نحو 45 دقيقة، وكان الحفل مقال في خيمة منصوبة على إحدى الجبال المطلة على البحر المتوسط، أجواء الفرح واضحة على وجوه الجميع، جلسنا على إحدى الطاولات الأمامية بانتظار دخول " المعاريس"، ولكن ما أحرجني هو مغادرة عبد الحفيظ الطاولة ما جعلني وحيدا بين الغرباء، وكان الهدف من ذلك أن أمتزج بالحضور، تشبثت بأكمامه إلا أنه ضحك

حفل الزفاف كان وفق النظام الأجنبي، أوصل والد العروس ابنته إلى العريس، جلسوا بجانب بعض، الجميع ذهب لالتقاط الصور معهم، وبقيت في مكاني أوزع ابتسامات، إلا أن فقرات حفل الزفاف كانت عجيبة، و متنوعة منها الفرقة الشعبية على غرار فرقة حزبالله، و أخرى تراثية فضلا عن فرقة الأطفال البهلوانية

انتهى الفصل الأول

*النباطشية هي الدورية أو المناوب باللهجة المصرية المحلية

Monday, February 15, 2010

الجامع الوجيز في غرائب أسفار القرمتي

مقدمةٌ

من أكثر العمليات العقلية التي يستعملها الإنسان،و التي تغيظني باستمرار هي العملية الاسترجاعية التي يقوم بها العقل كلما ذكرت أمامه " مفرده "، فمثلا عندما يستقبل الإنسان كلمة " السفر "، فإن العقل المبرمج مسبقا " يفلتر" لا إراديا جميع الأفكار و المعلومات و التجارب و الخبرات الشخصية التي لها علاقة في المفردة، وبحكم خبرتي الكبيرة باستطاعتي معرفة ما يدور في عقلكم الآن، فأولى الشخصيات التي سوف تسترجعها ذاكرتهم هي شخصية المدعو محمد بن عبد الله بن محمد الطنجي الملقب بـ" ابن بطوطة " عن رحلته الطويلة حول العالم، و من ثم يأتي دور المفكر الانكليزي فرانسيس بيكون عن مجموعة من مقالاته المشهور حول فوائد السفر.


إن العملية الاسترجاعية السالفة الذكر هي من صميم العقل اللاواعي الإنساني، و ما يثير سخطي بالطبع هو استمرار تجاهل الجميع لدوري العظيم في التأريخ، و نظرا لموهبتي الفذة في كتابة فن المذكرات و أدب الرحلات طوال مسيرتي حياتي الميمونة، أنجبت مؤلفي الأشهر " الجامع الوجيز في غرائب أسفار القرمتي"، و الذي وثقت فيه رحلاتي في مناكب أرض الله الواسعة، ولكن للأسف لم يتلق المؤلف الصدى المطلوب مقارنة ببذور مقالات – التي لا ينطبق عليها صفات المؤلف الأدبي أمثال الإنكليزي المتغطرس فرانسين بيكون، أو المتملق ابن بطوطة أو حتى " هيو هيفنر " بوردو الفرنسي ميشيل دي مونتي.

و بما أن المدونة مدونتي سوف أخذ راحتي في عرض كتابي القيم، والذي لا يقل أهميته عن مؤلفات الإيطالي الوكيح دانتي مؤلف الكوميديا الإلهية، ولا حبيب القلب الفرنسي ريني ديكار صاحب أهواء النفس و أبو الهندسة الإحداثية و صاحب مقولة أنا أفكر إذا أنا موجود – طبعا موجود! مطلع شي من عندك ؟- ، بل يرتقي مؤلفي إلى مستوى كتب المؤرخ الأدريسي و ماجلان و حتى البحار الإيطالي أميريغو فسبوتشي مكتشف أمريكا و العالم الجديد.

بداية المتن





الفصل الأول- القرمتي في بلاد المغرب العربي

في السابع من محرم 1429 هجرية، تشرين الثاني، قررت أن أشد الأحزمة إلى بلاد المغرب العربي لأكتشف العالم الجديد، مستندا إلى قول الله تعالي أن أرضه واسعة، و أن الرزق منتشر في كل مكان وليس مرتبطا في مكان ما، امتطيت جوادي "قنيطره" متجها إلى مطار الكويت الدولي، لم يسبق لي السفر عبر الطائرة من قبل، بسبب مقاطعتي لها منذ أن عرفت أن الأخوان " رايتز " سرقوا اختراع الطائرة من الرفيق عباس بن فرناس، ما حز في نفسي العربية الأصيلة، أقسمت بعدها أن أستقل الدواب في الترحال، ولكن المسافة إلى المغرب العربي التي تبتعد من الكويت بمئات الآلاف من الأميال البرية.

أستطاع والدي عبد الله القرمتي أن يقنعني باستغلال الطائرة في رحلتي الاستكشافية، وأهداني بضع سبائك الذهب التي كان يحتفظ بها تحسبا لليوم الأغبر، رضخت لضغط والدي، إلا أنني اشترطت عليه أن تكون الطائرة التي سأسافر على متنها عربية، و بعد أن وصلت إلى المطار، استقبلتني موظفة الكاونتر " الشمحوطة " التي أجرت ترتيبات السفر على متن خطوط الطياران الإماراتية.


تحول لسان" الشمحوطة " الأنثى الرقيق عندما سلمتها سدس إحدى سبائكي الذهبية ثمنا للتذكرة، فجأة إلى لسان " طقاقة " قائلة " قطع، شنو هذا؟ وين قاعد وين فلوسك؟، روح عمى بعينك بيعها و يب بدالها بيزات! وين قاعدين ذهب! لا و مختوم بعد؟ "، وبعد " الزفة المعتبرة "، توجهت إلى سوق الذهب، وأتممت عملية البيع " بعيارة "، وبعدها سريت بـ " قنيطره " إلى المطار مجددا، مستمتعا بأغنية أم كلثوم " أمل حياتي"، والتي لم تعجب " قنيطرة" ما حدا بي إلى إعادتها مرتين، إلى أن هز رأسه راضيا مرضيا عن " الست".

قدمت الأوراق و الاعتماد المطلوب، ركبت الطائرة ليتم توجيهي إلى كرسي الفخم، جلست، و ساعدتني المضيفة الاسترالية الرقيقة في ربط الأحزمة، ولكنها لم يرق لها تشبثي المفرط بحقيبة يدي، والتي أحتفظ بأسراري و أغراضي الثمينة فيها، طالبة مني أن أضعها في كبينة فوق رأسي، ولكني رفضت، إلى أن هددني "دريويل" الطائرة الفرنسي سليط اللسان بطردي من الطائرة، رضخت أخيرا، مع وعدهم لي بإرجاع الحقيبة إليَّ بعد عملية إقلاع الطائرة.

المبحث الأول: العاصمة دار البيضاء ( 12 ساعة )

وصلت مطار العاصمة المغربية دار البيضاء بعد 12 ساعة طيران، فقدت على إثرها حاسة السمع بإذني اليسرى، والتي كانت ملاصقة إلى الزجاجة المحاذية لمحركات الطائرة العملاقة، لم استوعب بعد أنها الساعة السادسة فجرا، لم يسهل عملية السفر إلا أغاني العمة باربرا سترايسنت و تينا ترنر و القليل من أم كلثوم و فايزة أحمد و محمد عبد الوهاب.


مسجد الحسن الثاني تم افتتاحه في 1993

تمتاز الدار البيضاء بالمباني الشاهقة البيضاء، ومن خلال المعاينة الأولي أتضح لي الأمر بأن المباني ليست وحدها البيضاء، وإنما أشياء أخرى تشرح " القلب "، و تمكنت من خلال إقامتي في العاصمة لمدة 12 ساعة من التجول في أزقة المدينة الرائعة، زرت مسجد الحسن الثاني، والذي يتسع لأكثر من 25 ألف مصلي، وثاني أكبر مسجد بعد الحرم المكي، غمرتني السعادة بمنظر المسجد المطل على البحر المتوسط جعلني مذهولا من تطور فنون الهندسة المعمارية المغاربية، إلا أنه يبدوا أن المملكة وحدت شكل المآذن الشاهقة في جميع المدن، وربما لارتباط شكل المآذن بالتراث

إحدى ساحات المسجد


نموذج لمآذن المساجد المغربية في الدار البيضاء


من الملاحظات التي دونتها في مذكرتي المتعلقة في الهندسة المعمارية المغربية هي أن معظم المباني تعتمد على " القمته " في التصميم السكني المغلق، بحيث تنحصر المنافذ الهوائية أو النوافذ في جانب الأمامي لواجهة المبنى السكني، في غياب تام " للبرندات "، و تبقى النوافذ محدودة،بينما، وتلف " الطوابيق " الحمراء المائلة إلى البرتقالية جميع زوايا المباني السكنية، وهي المشاريع الجديدة، أما بخصوص بعض العمارات بداخل العاصمة فهي ذات تصميم اعتيادي، و تتشابه العمارات السكنية ببعضها، وكأنها ملابس وزارة التربية التي كانت توزع على الطلاب في قديم الزمان في الكويت.


من مشاهداتي اللافتة تدني المستوى المعيشي لسكان المملكة المغربية، معظم المنازل تمتلك من قبل السفارات الأجنبية و أثرياء العرب، بينما يسكن العديد في شقق سكنية لا تتعدى المائة متر حسب ما قال لي سائق الأجرة الرفيق حسن بن عليوه.



العملة الرسمية للمملكة هي الدرهم المغربي، والعملة الأكثر رواجا هي العملة الأوروبية الموحدة " اليورو "، خدمة الإنترنت اللاسلكي ثمينة جدا، تصل إلى 18 يورو لليوم الواحد، ولا تدخل ضمن سعر الغرفة العادية، إلا في حالات نادرة، لا تتوقع أن يتم التعامل مع السائحين أو الباحثين عن العمل نفس حالتي بطريقة جيدة، وإنما توقع الأسوأ، لكي لا تنصدم بالواقع المحلي.


مواطنو العاصمة لديهم عادة غريبة – و يازت لي وايد- في الجلوس على المقاهي، فهم لا يجلسون أمام بعض، وإنما بجانب بعض، والذي حوَّل تجربة الشيشة التقليدية إلى أخرى مميزة، الشوارع أصبحت مرسحا* حقيقيا، بإمكانك الاستمتاع " بالطماشة على الرايح و الياي"، إلا إنني للأسف لا أدخن ولا أشيش، جلست مستمتعا بالشاي المغربي المنعنع الذي سرى إلى عروقي حتى أدمنت عليه، " صفنت " لوحدي مستمعا للمحادثات الجانبية باللهجة المغربية الممزوجة بالفرنسية بين رواد القهوة، المنقسمين إلى قسمين " النجري " و لاعبي " الطاولة "، و خلال هذه اللحظات انهمرت بتذكر إحدى المشاهد السينمائية لفيلم " المحارب الثالث عشر " بطولة الممثل الأجلح أنتونيو بانديرس، في بدايات الفلم الذي لم يفهم ما يقوله الفايكينغ إلا بعد وقت طويل من الاستماع، و بدأ عقلي بمقارنة مقاهي المرقاب بها، و مدى قدرتنا على تطبيق هذه الفكرة في البلاد.


المكوث في المقهى جعلني أفكر بالسبب وراء استمرار ذاكرتي في استرجاع فيلم كازا بلانكا للممثل هيفي بوغارت و السويدية الجميلة انغرد بردمان، تخيلت نفسي وأنا أستشف الشاي الأخضر بأني ريك بلايني صاحب حانة ريكس كافيه أمريكانا، طلبت خمسة كؤوس من الشاي، حتى أصبحت أنشط من حصاني قنيطره الذي بدأت أشتاق إليه، طلبت من أحد العاملين المقهى أن يشعل لي أغنية As Time Goes By لي،ولكن لم أفهم شيئا من إجابته، فضلت السكوت، و الاستمتاع بنسمات الهواء المنومة.




الجولة في العاصمة عصرا جميلة جدا، إلى أن حل عليَّ الظلام، كانت معدلات الخوف و خفقان قلبي المغلوب على أمره بازدياد كلما زادت معدلات الغروب، الرفيق حسن نصحني بعدم الخروج من مقر سكني بعد الثامنة مساءً، حتى يأتي هو و يطرق على بابي في تمام الساعة العاشرة مساءً ليقودني إلى المطار مجددا.



ولكن بسبب طبعي العنيد في بعض الأحيان، لم أنصاع لنصائح و توجيهات الرفيق، و قررت النزول إلى البهو لأجد الكونسيرج الحسناء أمامي، ابتسمت فرددت الابتسامة، سألتني هل هي الزيارة الأولي لي في بلاد المغرب؟ وبعد أن أجبت بالإيجاب، أغوتني إلى الخروج للسوق التراثي المحاذي للفندق لأطلع على التراث المغربي، خرجت لوحدي مجددا.


ولأن حظي " يكسر الصخر " جاء أحد الفقراء طلب مني التصدق، و لكني رفضت لأني لم أقتنع بأن قميص " الفون دوتش " يدل على فقره، أو تسريحة شعره السبايكي، أظهر المتسول سكينته في وجهي، ظننت في البداية أنه يريدني أن أعاينها، إلا أن تحركات يده بالسكنية دلت على تهديده بقطع رأسي.


وبما إني جسورا،أقنعته بأن أعطيه عشرين دولارا – وهي خطة أعتمدها في السفر عدم حمل أكثر من عشرون دولار و بطاقة الائتمان أدري حي قلب!- وولى في حال سبيله،و بسبب الحادثة السالفة الذكر لازمتني حالة الجزع من الخروج من المنزل بعد الساعة الثامنة حتى يومنا هذا.


الرفيق حسن طرق الباب في تمام الساعة التاسعة و النصف و رافقني إلى المطار، وعندما وصلت إلى بوابة الطائرة التي ستقلني إلى مسقط رأس المدعو محمد بن عبد الله بن محمد الطنجي الملقب بـ" ابن بطوطة "، تذكرت آخر لحظات فيلم كازا بلانكا، ركبت الطائرة و بدأت بقراءة ما أحفظه من آيات قرآنية ردعا للسحر المغربي الذي مللت من الاستماع عنه.


انتهى المبحث الأول من الفصل الأول.


المبحث الثاني الرحلة إلى طنجة



*المرسح هو ذاته المسرح.

Thursday, February 11, 2010

ثقة من طرف واحد

مقدمةٌ
تعود كلمة مراقبة إلى " رقب " وأعاد لسان العرب الكلمة إلى اسم الله عز وجل في أَسماءِ اللّه تعالى: الرَّقِـيبُ: وهو الحافظُ الذي لا يَغيبُ عنه شيءٌ؛ فَعِـيلٌ بمعنى فاعل، ولكنه في الوقت نفسه فسَّر كلمة الرَّقِـيبُ بالحارِسِ الحافِظُ

أما كلمة ثقة فهي تعود إلى كلمة وثق حسب الصّحّاح في اللغة، وثِقْتُ بفلان أَثِقُ ثقةً إذا ائتمنته، والميثاقُ: العهدُ، صارت الواو ياءً لانكسار ما قبلها، و والجمع المَواثيقُ على الأصل، والمَياثِقُ والمَياثيقُ أيضاً،
وأنشد ابنُ الأعرابيّ: ولا نسألُ الأقوامَ عَهْدَ المَياثِقِ حِمًى لا يُحَلُّ الدهرَ إلاّ بإذْنِنا


** بداية المتن:

لن أتطرق إلى قصة تأسيس الكويت الديمقراطية، الشعب الذي اختار حاكمه بنفسه قبل ثلاثمائة سنة، ولكن ما ينبغي ملاحظته أن الشعب لم يكن مهووسا بالتحكم و السيطرة، بل كان على النقيض مكافح يبحث عن لقمة العيش أينما تكون، وبهذا اختار الشعب بنفسه حكامه، وجدد بيعتيه في مناسبتين مهمتين في 1990 و 2006 في أحداث تاريخية مهمة، في تلك الأحداث السالفة الذكر توافرت فيها عناصر متبادلة ما بين الاثنين وهي الاحترام و الثقة و الولاء

المقصود بالثقة كما هو مدون أعلاه الائتمان، و يقصد بالولاء للوطن الإخلاص لأراضيه، المواطنون لم يختاروا دولة أخرى عندما اجتاحت القوات العراقية مركز الصامتة، و صمدت ستة أشهر بانتظار أحدا أن يحررها من العراق لتعود إلى أحضان الشرعية الدولية، إلى من كانوا ولائهم له

كل ما سبق هي نماذج حقيقة لشعب يستحق الائتمان فيه واحترامه، حينما كان يؤتمن الشعب جرى إصدار الدستور الذي ارتضى و اهتدى فيه جميع الأطراف الحكومية و النيابية، ولكن أحد الأطراف يفكر أن " يفض الشراكة "، حتى أصبحت هناك من يطعن " و ينداس في بطنه " هذه الأيام، و لكن جاء الالتزام بالدستور من طرف واحد فقط وهو الشعب

و يبقى التساؤل عن الأسباب الحقيقية وراء اللهث الحكومي للانقضاض على الحريات العامة لمواطنيها؟، و الإصرار على سلب حقوق الجميع من التعبير عن آرائهم، و الترويج لمبدأ " الكبت " في نفوس شعبها، على الرغم من أن حرية التعبير و التوصل إلى المعلومات من صميم الباب الثالث من دستور البلاد، وهي إحدى صور التطرف و الإخلال في الالتزام به

إن الشعب يثق بالحكومة و يثق بها و ائتمنها، ولكن للأسف تبين أن الثقة هي من جانب واحد فقط، عندما وثق الشعب في الحكومة، سعت إلى تزوير الانتخابات في مناسبتين، عطلت العمل في الدستور في مرتين، أنشأت مجلس وطني فاشل مقاطع من أغلبية المواطنين، فرضت الرقابة المسبقة على الصحف، أخترق أمنيا و استخباراتيا، و أدخلت الدولة في احتلال عراقي عام 1990، ورغم هذا لا يزال الجميع يثق بها، وأنا من ضمنهم، ولكن مع وجود حياة برلمانية و سلطة تشريعية المتواجدة حاليا

لعل من أبشع صور عدم الائتمان الحكومي لشعب " فقير و منتف "، أن تيقظ الحكومة وزارة الإعلام " النايمة على ودانها " من بياتها الشتوي لتعديل قانون المطبوعات و النشر، المضحك في الأمر أن القانون الذي أعدت مسودته في 1999 و أصدر 7 سنوات في 2006، " تضبط و عدل " في أقل من 10 أيام

و الدليل على النية المبيتة على الانقضاض على الحريات عدم شمول التعديلات التي أقرتها اللجنة القانونية في مجلس الوزراء أي تعديلات حقيقية لمواده التي تعاني من ثغرات مهولة، و الدليل على ذلك فإن تجاهل المادة 9 من القانون، والتي تنص على أنه لا يجوز إصدار مطبوعة ( صحيفة- مجلة – نشرة ) إلا لصحاب مؤسسة أو شركة تجارية، ولم يرد في القانون أو المذكرة التفسيرية أي استثناءات، ما يعني أن الجهات الحكومية و الخاصة و المجتمع المدني لا يحق له إصدار مجلاته الدورية، ولا يحق لجامعة الكويت بإصدار جريدة " آفاق" الأسبوعية، و باستطاعة أي مواطن التقدم إلى القضاء لإغلاق تلك الصحف و المجلات و النشرات و إحالة مسؤوليها إلى القضاء لعدم قانونية وضعهم

كما تجاهلت تعديل المادة 22 المثيرة للجدل، وهي المنظمة للإعلانات التجارية المنشورة في الصحف و المجلات، فنص قانون المطبوعات على الإعلانات التجارية،ولكنه تجاهل أن يورد عقوبة قانونية لها، و تجاهلت المذكرة التفسيرية كذلك!، وبإمكان أي شخص أن يبيع أدوية سامة و غير مرخصة من دون الرجوع إلى وزارة الصحة، ولن ينال عقوبة ضمن قانون المطبوعات، وبإمكان مقاضاته وفق قوانين أخرى ولكن ليس بقانون المطبوعات

وارتدت نظارتاه السوداء عندما يناقش التعريف السليم للإصدارات الصحفية و المجلات الموجود في بداية القانون، و من المعلومات المضحكة المبكية أن جريدة الحركة التابعة لإخوان المسلمين " حدس " ينص ترخيصها " مجلة أسبوعية "، ولكن الهيئة الإخراجية تدل على عكس ذلك، و تتجنب " مجلة الحركة " ذكر أسم مجلة على إصداراتها، وهو مخالف تماما للقانون
هذه نبذه بسيطة من التعديلات التي ينبغي على الحكومة أن تعدلها، ولكنها سعت إلى تعديلات مرتبطة بصميم الحريات، مثل ضم مسؤولية المحرر الصحفي ضمن المادة 17 من قانون المطبوعات ، والتي تنص أن رئيس التحرير مسؤول مباشرة لما ينشر في صحيفته،
وهو أمر مقبول تماما، و تقع ضمن رقابته الذاتية، فضلا عن تغليظ العقوبات لتصل عقوبات إلى أكثر من 200 ألف دينار، و ينحصر التعديلات الحكومية على باب واحد فقط هو الثالث! تخيلوا ، ما تبعوا عمرهم يقرون القانون و يشوفون الثغرات!
في النهاية يتجلى من الأمر أن الثقة من جانب واحد، وهو من الشعب إلى الحكومة فقط، ولكن يبقى التساؤل لماذا لا تثقون بنا؟ ألا نستحق ثقتكم بنا؟

Wednesday, February 10, 2010

نبذة تعريفيه عن سماحة السيد قرمت القرمتي

ولد قرمت في أحد أزقة السيف المحاذي لجون الكويت، و كان دميما قبيحا جاحظ العينين، طلب العلم في سن مبكرة، أرسله والده إلى أصعب مدارس التعليم لنيل أعلى درجات العلم، بدأت مسيرته التعليمية على يد الكتَاب على غرار شاعره المفضل فهد العسكر، كُتب عنه أنه كان حافظا للقرآن و ملما بمبادئ اللغة العربية و تتلمذ على أشهر شيوخ بلده، كما تعرضت يده للتعذيب و التشقق بسبب الأساليب التعليمية القديمة الدارجه آن ذاك،ولكن اليتم و الفقر حال دون تفرغه لطلب العلم، فصار يبيع السمك و الخبز في النهار، و ويكتري دكاكين الورّاقين في الليل فكان يقرأ منها ما يستطيع قراءته من مكتبة أحمد الرويح إلى أن قرر الأخير طرده من المكتبه و السوق الداخلي، بسبب زياراته المتكرره والقراءة من دون أن يدفع فلسا واحدا إلى صاحب المكتبه، منع على إثر الواقعة من دخول السوق إلى وقتنا الحالي.


كانت ولادة قرمت القرمتي غير معروفة، ولكن روي في تاريخ الكويت للمؤرخ شملان العيسى أنه ولد ما بين فترة وفاة أمير الكويت الراحل أحمد الجابر و تسلم الأمير الراحل الشيخ عبد الله السالم، و بهذا فإنه عاصر أربع أمراء لبلاده، و رئاستين لمجلس الوزراء منفصلتين عن ولاية العهد، و حل ما يقارب 18 حكومة منذ ولادته المجيدة، مشجع متعصب لنادي الأهلي الكويتي، و من ثم تحول تشجيعه إلى نادي الكويت بعد قرار حل الأندية الرياضية و جمعيات النفع العام في58 19.


أخذ علم اللغة العربية وآدابها على أبي عبيدة صاحب عيون الأخبار، والأصمعي الراوية المشهور صاحب الأصمعيات وأبي زيد الأنصاري، ودرس النحو على الأخفش، وعلم الكلام على يد إبراهيم بن سيار بن هانئ النظام البصري.

كان متصلا -بالإضافة لاتصاله للثقافة العربية- بالثقافات غير العربية كالفارسية و الإنكليزية، عن طريق قراءة أعمال مترجمة أو مناقشة المترجمين أنفسهم، أو قراءة الكتب الإنكليزية و ترجمتها بذاته، توجه إلى بغداد و النجف و القاهرة و بيروت و تجنب سوريا لكثرة زيارات أبناء القبائل لها، ولكنه تميز و برز وتصدر في المدن التي زارها و ترعرع فيها.