Tuesday, May 18, 2010

الجامع الوجيز في غرائب أسفار القرمتي الفصل الرابع




مقدمة:


تعلمت توضيب الحقائب منذ بلوغي الثامنة من عمري، بفضل تنقل والدي كل بضعة أشهر إلى مكان آخر، لم تكن رحلاته بغرض التمتع السياحي، وإنما لظروف عمله القاهرة، فهو لم يستقر في بلاده إلا متأخرا، وجدت نفسي في بلدان لم أعلم بوجودها على الخارطة، مدن لم أكن أرغب في المكوث فيها، ومقاهي تمنيت أن أقطن فيها.


ما يجذبني في السفر هي تلك الغريزة الإنسانية التي تمتلكني كلما زرت مكانا جديدا، الضياع بين أزقة المدينة الفارهة، التعمد في التوهان بين شواع فينسيا أو باريس أو نيورورك أو حتى سافانا، كلها مدن عرفها جواز سفري قبل أن تتوطد معرفتي بها، كل ما تبقى من تلك الحقبة صورا فوتوغرافية مستخرجة من مصنع والدي الفوتوغرافي المنزلي.


ورثت عادة السفر عن والدي، لم أجد نفسي مستقرا في مكان واحد لأكثر من أسابيع قليلة، أحب الترحال، يعلق والدي على كثرة سفري المرتبط بالعمل أني بدوت كالسندباد، مستعدا للسفر مع كل فجر جديد لاستكشاف العالم الجديد، وتكون ردودي على ذلك النعت بأني أخذتها من جدي النوخذه، أجمل ما في سفرات العمل فرصة الوصول إلى أماكن لم تخطر على عقلي، لأيام محدودة، تساهم في كسر حاجزي الروتيني، أبدأ معها في تدوين ما يدور في الرحلة، مهنة التأريخ و التوثيق ليست سهلة، وما يزيدها حلاوة تلك التفاصيل الدقيقة التي أعيشها.


لم تجرني رياح سفني إلى الولايات المتحدة بمفردي من قبل، رغم استقراري بها لسنوات لا بأس بها مع والدي أثناء عمله، ولكن مغامرتي الصغيرة هذه استغرقت شهرا، بين ثنايا خمس ولايات متناثرة في كل الاتجاهات الكونية الأربعة الرئيسية، صبغت على الرحلة أحداث دراماتيكية و ميلودرامية، لذا سيكون الفصل الرابع من تحفتي مؤلفي " الجامع الوجيز في غرائب أسفار القرمتي " مكونة من أوراق و مذكرات مختلفة، لن تكون متناسقة أو متكاملة، بل مواقف متنوعة بأسس مختلفة، قصيرة،عميقة،مكثفة.


بداية المتن :


وسط عاصمة ولاية نيفادا اكتشفت العرافة بين عروق يدي اليمنى أني سأشقى في حياتي لا محالة، بادرتها بتساؤلي عن أي شقاء تقصده لعابر سبيل مثلي، لم يجد في موطنه منزلا، زافة إلى مسامعي قرب لقائي بها، موضحة عدم تمكني هذه المرة الهروب.

لم أجد في وجه العرافة أي دلالات "مايكرويه"* يدل على مزاحها، سألتها مجددا هل تعرفت عليها من تعاريج خطوط يدي المتشققة من آثار ضرب استاذة اللغة العربية و قلمي؟ ، فلم ترد، وبعد تنهيده أقلقتني استرسلت قائلة " إن أجبت على تساؤلاتك فلن تكون مفاجأة، ولن تصدقني"، أخذت بضعة دولارات كنت أخبؤها للحاجة إلى يدها اليسرى، إلا أنها أفلتت بيدي اليمنى، قلت " يا إمرأة عن أي شقاء تتحدثين وأنا أكثر الأفراد راحة للبال، اكتفت بإبتسامة"، و قالت " ستعرف قريبا".


في طريقي إلى الفندق لم أتمكن إزالة أغنية خالد الشيخ رحلة الغجر عن بالي، كيف لكاهنة أن تفاجئني في الخامسة و النصف فجرا، وعندما طلبت منها بالمزيد من التفاصيل من باب تقصي الحقائق و الفضول أن تمتنع عن الإجابة، أبقاني ذلك الحوار القصير صاحيا طوال الليلة، أحدث نفسي عن فرضيات وقوع صدى كلامها واقعا.

بدأت أعتب على قريني الذي فضح أمري أمام إمرأة لا يعرفها ، في ولاية يعيش سكانها بحثا عن الفضة في صحراء يشقها أعمق نهر و بحيرة في الولايات المتحدة.


هل كذب المنجمون ولو صدقوا؟

-- أكتوبر2009

*المقصود بالمايكرويه بعلم المايكرو سايكولوجي، وهو أحد فروع علم النفس الحديث



Wednesday, May 12, 2010

خمسة


1


توصلت الشهر الماضي لوصفة جديدة لإزالة الضرر الذي أصبت به، وهو مرض عضال عصيب، لم يبتكرالعلماء بعد العلاج الشافي له، لكني تمكنت من اكتشافه بمحظ الصدفة.



الدواء الذي وجدت تركيباته يكمن في الوقت، أن تفسح المجال له للتحرك ليلعب دوره من دون تطفل، ولأني أؤمن بالقدر، و اختبرت " عملاته السوده" في أوقات سابقة، وجدت نفسي في طريقا جديدا، لم يسبق لي دخوله، وبعد فترة من ولوجي فيه، سنحت لي الفرصة لمقابلة القدر وجها لوجه.



طلب مني في بداية لقاؤنا الشروع في بدء عملية المفاوضات، التي ستنتهي بإبرام معاهدة و صلح دوليين، في محاولة منه لتصحيح الأوضاع التي " ودَّرني" فيها، وبين رغبته من خلال دردشتي معه في صياغة معاهدة سايس بيكو مجددا، وبسبب حنكتي السياسية، احبطت مخططه قبل أن يجرني إليها.



أرجأت اعتماد الاتفاقية لحين إعادة ضبط التعديلات التي أصريت عليها، جرت مراسيم التوقيع دون أي وسائل إعلامية ممكن أن تضخم أو تصغر من حجم الاتفاقية الفذة و الفريدة من نوعها، الأجواء التصالحية باتت أكثر بزوغا من المصالحة السعودية السورية الأخيرة.


2


تعلمت الحكمة في التعامل مع الأحداث اليومية أخيرا، أحسب الكلمات التي تبدر مني، و إن كانت من باب حسن النية، الذي تعودت عليه، ولكني اكتشفت أن قول الحقيقية لأشخاص لا يتقبولنها بصدر رحب أمرا غير مقبول اجتماعيا، قررت بعدها الاحتفاظ بتلك الأفكار المتسلسلة في دفتر يومياتي، الذي بدا متخما من الأوراق الصغيرة و المتوسطة المطوية، صرت أكتب ما يدور في ذهني في أي قصاصات أو محارم ورقية أجدها أمامي.



المشكلة التي أواجهها في أغلب الأحيان، الصعوبة في المجاملة بالأمور التي لا تحتملها المجاملة و " البعطزة" فيها، لاسيما أن بعض المواضيع يتحتم على الفرد أن يبوح بالحقيقة الغائبة عن أعين البعض، ولكن نتاج قول الحقيقة دائما ما يكون سلبيا في معظم الأحيان، وكأنني تسببت في التقليل من شأنه، حتى يظن البعض أني أسعى إلى شيء ما، ولكن في الحقيقة كل ما أردته أن أضعه في الصورة في أقل عدد من الكلمات بألطف المفردات و السبل أمكن.


3

لم أجد الأسباب الكافية لأحدد سبب انقطاعي عن التدوين، سوى إنني استنفذت كل طاقتي الكتابية، ولأني من الأشخاص الذين لا يحبون الخوض في نقاشات عقيمة من دون فائدة مرجوة من تدوينها، لذا آثرت التوقف مؤقتا، لا أخفي عليكم رغبتي في كتابة العديد من المواضيع التي زارتني في الكرى، إلا أني فضلت عدم الخوض فيها.

على رغم أن التدوين فضاء حر بعيد عن القيود الحقيقية، إلا أني واجهت قيودا افتراضية، ربما يكون استعيابي للرقابة الذاتية، وحقيقة ما يقال عن ليس كل ما يقال يكتب، أو الرقابة الذاتية للكُتاب وجدت طريقها منذ أيام دراستي في الجامعة.


4


ربما يكون الرقم أربعة عاديا بالنسبة للجميع، إلا أنه يحمل الكثير من المعاني بالنسبة لي، شهد يوم مولدي الميمون، والذي استمتعت فيه بيوم حافل مع صديق المهد و الطفولة، تطرقنا إلى أول يوم تعرفنا به على بعض، وكيف جمعتنا السنين إلى اليوم، صديق الطفولة ألزمني بوضع تصوراتي للمرحلة المقبلة من حياتي، و رسم أبرز معالمها، توقعاتي، وأفكاري.

استمرت العملية لساعات و ساعات، لم أدرك أن الساعة بلغت الواحدة فجرا، بينما نحن في أحاديثنا هذه، نقلب دفاتر الذكريات، و ما خلفتها مشاغلنا الكثيرة، المهم في الموضوع إني توصلت إلى قائمة ترضيني مبدئيا، المضحك في القضية أنني لم استطع أن أصل إلى أكثر من عشرة بنود للقائمة، لم أكن أتصور أن يكون إدراج المطلوب بهذه الصعوبة، ولكن في النهاية أدركت أنه أمر حتمي لمن هو في موقعي الآن.


5


بدأت بعض المفردات التي يثار تداولها أخيرا على المستوى المحلي تؤثر على أعصابي، كلمات جديدة هابطة مثل " التناغم" للرئيس اللجنة المالية والاقتصادية د. يوسف الزلزلة، والتي " ذبحنا " منذ استئناف لجنته بحث أمر التخصيص، إلى اليوم في تعديل على بعض مواد الخطة السنوية!، ناهيك عن تداول بعض النواب لكلمة أحمد السعدون في المداولة الأولى للقانون " إن قانون التخصيص الحالي وفر ضمانات للعاملين في المؤسسات و الجهات الحكومية التي ستخصص لم توفره أي دولة في العالم"، تداولها أمس النواب عبدالرحمن العنجري ثلاث مرات، د. رولا دشتي 4 مرات، يوسف الزلزلة 3 مرات، علي الراشد مرتين، " نسيت " الباقيين.



ولكن بدأت مسألة التكرار الكلمات و المفردات الدخيلة على المجتمع تثير سخطي و غضبي، وفي قرارة نفسي أعلم أن الكويتيين راح " يطلعون عينا " باستخدام تلك المفردات لمجرد " الشحاطة "، مثل تسمية أحد " البارات" لقب B52 على مشروب كحولي، أو حتى ظهور " منقاش " الذي أسقط مروحية" الأباتشي " بـ " أم صجمة"، " طرقاعة عليه!".

الله يستر من القادم، على العموم بدأت منذ أشهر بتدوين بعض المفردات الجديدة المتداولة من السياسيين و النواب و السادة الوزراء، أحد الأصدقاء اقترح أثناء تناولنا لوجبة العشاء أمس أن أشرع بتأليف قاموس " ويبستر " ولكن بالكويتي.

المشروع مغري.. " ولا شرايكم؟"