Tuesday, August 24, 2010

رسالة بلا عنوان


إليها،

أليس مضحكا كيف تُسيرنَا الأيام، أجد نفسي في مقعد الطائرة المتوجهة إلى الهند، أحذوا بخطوات جدي النوخذه في سفره من الكويت إلى قطر ومنها إلى كيرلا، ولكن رحلتي هذه لم تستغرق سوى بضع ساعات، محددة بأربعة أيام، لن أنتظر موسم القفال لأرجع إلى الوطن، وحتما سأعود هذه المرة وبصحبتي العقد الذي وعدتك به مسبقاً، والذي سيزين عنقك.

آنستي، لا زلت متمسكا بمهنج الرسائل رغم تطور وسائل الاتصال، وأعرف يقينا مدى قدرتك على تحليل الكلمات من رموز إلى معان ذات مغزى، وأعلم أنكِ أكثر دراية فيها عن غيرك، وعرفت من الحياة بأن الرسائل ليست سوى غاية للتواصل بين روحين منفصلتين في بقاع الأرض، ومهما اتسعت المسافة بينهما، إلا أن مصيرهما واحد، ويحتم علينا الاختيار.


تعتلج الكلمات في صدري، أبقى عاجزا عن التعبير عما يختلج الفؤاد ردا على كلام العجوز التي طالعتني للمرة الأولى، وأفصحت عن طالعي فجأة، ولكني بعد فترة اكتشفت بأن العجوز كانت تعاني من الخرف، ما يفسر ما هذيت به إلي، و أن كل ما قالته لي لم يكن سوى أوهام اعترت عقلها.


آنستي، إن الحياة مثلما قلتي أنهاراً قد تغير مجراها، ولكن موقفي مثل الروافد ثابتة في مصبها لا تتحرك،


جل ما أخشاه في رحيلي أن أعود لأواجه مصير محمد الفايز، عندما وطأت قدماه تراب الوطن ليكتشف أن "طيبة" حبيبة العمر أنقضى أجلها، عندها سأردد ما قاله في مذكرته الخامسة


عندي خُمور
عندي عُطور
عندي بَخور الهند يا تجار مكة يا ملوك
عندي القلائد و الأساور للجواري و النساء
من يشتري أفراح بحارٍ يعود مع المساء
الشمس في عينيه ماتت مثلما مات العبير
و النور في بيت خلا لولا حصير
و فتيل مسرجة كأهداب الضرير
لِمَ تُنبت الأرض الزهور
و عظام موتانا بها؟ أين الحبيبة؟
ماتت من الجُدَريِّ طيبة
من يشتري كل المَحار؟
من يشتري كل البِحار؟
بعيون طيبة يا نهار
قد أطفأت عينيك عيناها فحاربْتَ الضياء


أو أن أجد نفسي ملازما لفهد العسكر في معاقرة الصهباء، بينما يرتل قصيدته "نوحي" على مسمع رواد المقهى، وكل ما أخافه أن يصل إلى ترتيل تلك الأبيات التي أتحاشاها


قد أرغموكِ على الزواجِ بذلك الّشيخِ الوضيعْ
أغْرَاهمُ بالمالِ وهوَ المالُ معبودُ الجميع

فقضوا على آمالنا ، وجنوا على الحبِّ الرفيعْ

ما راعَ مثلُ الوردِ يذْبُلُ وهو في فصلِ الربيعْ
**********
قد زيّنوا الأحداثَ ـ ويلهمُ ـ وسمَّوها مَخَادع
كمْ ذُوِّبَت فيها كُبودٌ ، واكتوَت فيها اضالِعْ
وتحطّمتْ مُهَجٌ ، وسالت أنفُسٌ ، وجرَت مدامعْ
هذا ، وما من زاجِرٍ ، كلاّ ولا في الحيِّ رادعْ
**********
زُفَّت وهلْ زُفَّتْ فتاةُ الحيِّ للزوجِ الحبيبْ ؟
هل أخفَقَت أم حقَّقتْ بزفافها الحلْم الذّهيبْ
وارحمتاهُ لها ، فقد زُفَّتْ الى الِّسجنِ الرهيبْ
وغَدَت بهِ نهْبَ الجوى ، والشَّجْوَ ، والهمّ المُذيب


الهند

٢٤ أغسطس ٢٠١٠

Saturday, August 7, 2010

في الحظوظ و الصدف




سألتني .. هل تؤمن بالحظ أو الصدف؟، لم أكن بعد مستعد نفسيا لهذه النوعية من الأسئلة المباغته، ولكني لم أتلفظ سوى بالكلمات التي أقتنعت بها، بأني لا أؤمن بالحظ، بينما أؤمن بالصدف، ربما تبرير هذا التناقض بحاجة إلى ساعات عدة لتوضيحها، لم أتردد باستدراك حديثي أن الحظ لم يكن يوما في صفي، بل على النقيض، فهو ندي الأبدي.


قيل لي بأن حظي سيكون تعيساً دائما، وفقاً لتاريخ ميلادي، لذا لن يغير ذلك شيئا،وهذا الشيء ما أكدته العرافة التي قابلتها قبل أسابيع في نيفادا.


فتحت حقيبتها الصغيرة التي حملتها معها، وأخرجت منها عملة ورقية، أجبتها ممازحا "نحن لا نقبل التبرعات النقدية"، ابتسمت، وأصرت أن تسلمني ورقة نقدية أخرجتها من محفظتها، انصدمت عندما تبين لي بأن العملة التي أهدتني هي دولارين في ورقة نقدية واحدة أمريكية؟، سألتها هل سرقتيها من لعبة "مونوبولي" لأختك الصغيرة نينا؟


لم تتمالك كرستين نفسها من الضحك، وأوضحت أنهاعملة نقدية نادرة، لم يكتب لها النجاح في عملية التدوير، ولكنها لا زالت قابلة للصرف، لافتة إلى أنها تجلب السعادة و الحظ الوفير لمن يحملها، وعندما رفضت قبولها، أصرت على الاحفتاظ بها لأنها ترى بأني بحاجة إليها أكثر منها، وفضلت أن تهديني أعز ما تملك قبل رحيلي من مدينة شيكاغو.


وعدتها أني سأحتفظ بالورقة ما حيت، لعل في أحد الأيام سأتمكن من توريثها إلى ذريتي، إن كتب الله عز وجل ذلك.


اقترحت أن نذهب إلى مطعم القدس القديمة، وهو مطعم لفلسطنيين هاجروا من القدس الشرقية إلى الولايات المتحدة قبل نحو ٥٠ عاما، إلا أني أصريت على الذهاب إلى مطعم الإيطالي، والذي يبتعد نحو شارعين من المقهى الذي جلسنا فيه، قررنا الذهاب إلى دار السينما لمشاهدة فيلم "اختراع الكذب"، والذي يحكي عن أول رجل اخترع الكذب في العالم، كل ما تبادر إلى ذهني كيف أن أكون الشاهد أول أكذوبة في تاريخ البشرية


أحداث الفيلم تشير إلى أن البشر كانوا يعيشون يوميا على بوح الحقيقة القاسية، من دون أي تخفيف لها، وبإمكان المشاهد أن يرى التأثير السلبي لهذه الكلمات على شخصيات الفيلم المتعددة، حتى أن أحد شخصيات الفيلم بدأ يفكر بالإقدام على الانتحار لأيام عدة، إلى أن تدخل بطل الفيلم ليخفف عنه آلامه.


بعد الفيلم بدأت بالتدبر بأحداث الفيلم و بقساوة الحياة إن كانت تعتمد كليا على بوح الحقيقة، وأن البشر سيصرحون بكل ما سيجول في خاطرهم، لك أن تتصور مقدار الأذى النفسي الذي قد يسببه الأشخاص لبعض، وهذا لا يدفعنا على الكذب والافتراء دائما،ولكن هناك أكثر من طريقة لقول الحقيقة، منها أن تختار المفردات بعناية، لتصل المعلومة بطريقة خفيفة بأذى أقل.


توصلت الليلة إلى أن الحياة بالحقيقة فقط هي حياة باردة قاسية، خالية من الأحساسيس أو المشاعر، يحتوي الفيلم على عمق فلسفي رهيب، ما دفعني إلى التفكير الليلة في نفسي، لست من الذين يؤمنون بالمناطق الرمادية، أرى الحياة أحد اللونين إما أبيض أو أسود، لا مجال للون الرمادي أو وجود بقعة مشتركة، كل ما أعرفه بأن هناك الخطأ و الصواب، و أن الإنسان ينبغي في النهاية أن يميل لما هو في جادة الصواب، ولكن تختلف القرارات بحسب النسبة، تباً للنسبيين!


الليلة هي الأخيرة لي هنا، وسأغادر غدا الولاية متوجها إلى العاصمة واشنطن، لذا فضلت أن أطيل بعض الشيء في المدينة، لأستمتع بناطحات السحاب العملاقة، إلى أن أوصلت كريستين إلى مقر سكنها، أوعدتني قبل أن أذهب بأن احتفظ بعملة الورقية، وتمنت لي حياة سعيدة.. كانت عبارتها الأخيرة لي "كم هي محظوظة"،وعندما سألتها عنها لم تجبني، بدأت أصدق بما صرحت به العرافة.

-- أكتوبر ٢٠٠٩


العملة النقدية.

للمزيد من المعلومات عن العملة النقدية هنا