إليها،
أليس مضحكا كيف تُسيرنَا الأيام، أجد نفسي في مقعد الطائرة المتوجهة إلى الهند، أحذوا بخطوات جدي النوخذه في سفره من الكويت إلى قطر ومنها إلى كيرلا، ولكن رحلتي هذه لم تستغرق سوى بضع ساعات، محددة بأربعة أيام، لن أنتظر موسم القفال لأرجع إلى الوطن، وحتما سأعود هذه المرة وبصحبتي العقد الذي وعدتك به مسبقاً، والذي سيزين عنقك.
آنستي، لا زلت متمسكا بمهنج الرسائل رغم تطور وسائل الاتصال، وأعرف يقينا مدى قدرتك على تحليل الكلمات من رموز إلى معان ذات مغزى، وأعلم أنكِ أكثر دراية فيها عن غيرك، وعرفت من الحياة بأن الرسائل ليست سوى غاية للتواصل بين روحين منفصلتين في بقاع الأرض، ومهما اتسعت المسافة بينهما، إلا أن مصيرهما واحد، ويحتم علينا الاختيار.
تعتلج الكلمات في صدري، أبقى عاجزا عن التعبير عما يختلج الفؤاد ردا على كلام العجوز التي طالعتني للمرة الأولى، وأفصحت عن طالعي فجأة، ولكني بعد فترة اكتشفت بأن العجوز كانت تعاني من الخرف، ما يفسر ما هذيت به إلي، و أن كل ما قالته لي لم يكن سوى أوهام اعترت عقلها.
آنستي، إن الحياة مثلما قلتي أنهاراً قد تغير مجراها، ولكن موقفي مثل الروافد ثابتة في مصبها لا تتحرك،
جل ما أخشاه في رحيلي أن أعود لأواجه مصير محمد الفايز، عندما وطأت قدماه تراب الوطن ليكتشف أن "طيبة" حبيبة العمر أنقضى أجلها، عندها سأردد ما قاله في مذكرته الخامسة
عندي خُمور
عندي عُطور
عندي بَخور الهند يا تجار مكة يا ملوك
عندي القلائد و الأساور للجواري و النساء
من يشتري أفراح بحارٍ يعود مع المساء
الشمس في عينيه ماتت مثلما مات العبير
و النور في بيت خلا لولا حصير
و فتيل مسرجة كأهداب الضرير
لِمَ تُنبت الأرض الزهور
و عظام موتانا بها؟ أين الحبيبة؟
ماتت من الجُدَريِّ طيبة
من يشتري كل المَحار؟
من يشتري كل البِحار؟
بعيون طيبة يا نهار
قد أطفأت عينيك عيناها فحاربْتَ الضياء
أو أن أجد نفسي ملازما لفهد العسكر في معاقرة الصهباء، بينما يرتل قصيدته "نوحي" على مسمع رواد المقهى، وكل ما أخافه أن يصل إلى ترتيل تلك الأبيات التي أتحاشاها
قد أرغموكِ على الزواجِ بذلك الّشيخِ الوضيعْ
أغْرَاهمُ بالمالِ وهوَ المالُ معبودُ الجميعفقضوا على آمالنا ، وجنوا على الحبِّ الرفيعْما راعَ مثلُ الوردِ يذْبُلُ وهو في فصلِ الربيعْ
**********
قد زيّنوا الأحداثَ ـ ويلهمُ ـ وسمَّوها مَخَادع
كمْ ذُوِّبَت فيها كُبودٌ ، واكتوَت فيها اضالِعْ
وتحطّمتْ مُهَجٌ ، وسالت أنفُسٌ ، وجرَت مدامعْ
هذا ، وما من زاجِرٍ ، كلاّ ولا في الحيِّ رادعْ
**********
زُفَّت وهلْ زُفَّتْ فتاةُ الحيِّ للزوجِ الحبيبْ ؟
هل أخفَقَت أم حقَّقتْ بزفافها الحلْم الذّهيبْ
وارحمتاهُ لها ، فقد زُفَّتْ الى الِّسجنِ الرهيبْ
وغَدَت بهِ نهْبَ الجوى ، والشَّجْوَ ، والهمّ المُذيب
الهند
٢٤ أغسطس ٢٠١٠