Tuesday, April 12, 2011

بين الذاكرة والنسيان




بدأت التنقيب عن الذكريات هذه الأيام، بعد أن شعرت الغربة في داخل جدران وأروقة بيتنا، لم تعد الأشياء كما كانت، حتى شعرت بأني بدوت مختلفا عما كنت عليه، خشيت أن أستطلع آراء البعض عليها، لذا لزمت الصمت، و مددت من فترة العزلة تماشيا مع قرارات حظر التجول التي أعلنتها سلطات الأنظمة العربية.


في أوقات سابقة ساد اعتقادي بأن العقل يدشن عملياته منذ استيقاظي من النوم وفق مزاجية معينة، وتعتمد تصرفات الفرد وفق الإرادة البشرية في القضاء أو التشبث بشيء، فإن أردت مثلا القراءة ولمدة أربع ساعات متوالية، يأخذ في الحسبان أولا على حالة المزاج العام إن كان موائملا على مثل هذه العملية، ثم تنتقل إلى الإرادة الشخصية في إنجاز هذا الشيء، وكذلك يقاس على هذه المسألة الإقلاع عن التدخين وغيرها من السلوكيات.


ولكن في الحقيقة بدت الأمور مختلفة جداً، التفكير في العتمة، وهي السويعات التي أقضيها قبل أن يقرر عقلي أن ينفصل من عالمي الحقيقي إلى آخر أوصلني إلى التفكير في النسيان، كيف يبدأ الإنسان بالنسيان أو التذكر، وهما أمران اختياريان ينتهجهما الإنسان برغبته الكامة، إما في استرجاع أحداث فترة زمنية محددة ودقيقة، أو عزلها ووضعها في خزانة أو صندوق ليتم تخزينها في إحدى الدواليب الفارغة وهو المكان المخصص بالنسيان في آخر المخ.


في التذكر، وجدت أن كتابة المذكرات الشخصية منذ سن مبكرة، لاسيما في مراهقتي، أرست أسس كثيرة بنيت عليها أمور كثيرة، وهنا يكمن العقل أن يفلتر الأحداث، ما المفترض أن ينسى أو يذكر، إلا أني استوعبت أخيراً أن العقل لا يمكنه أن يسترجع شيئا دون أن يجر معه الحقبة الزمنية بأكملها للحادثة معه، وهي عادة غير المرغوب فيها.


رأيت أن التجارب الشخصية عبر استرجاعها لها نفس التأثيرات على الإنسان لحظة حدوثها، فإن تذكرت موقفا وتسترجعه، فإنك تسترجع معه بقايا الشرائط الفلمية الصورية والإحساس معاً، فهما لا يمكنهما أن يتفرقان، وهذا ما جلبته من ذكريات الغربة و الضجر واليأس والحزن، وكل ما أردته أن أجمعهما وأضعهما في نفس المكان الذي كان مخزونا بها، ولكنها تأخذ وقتا.


في المقابل، النسيان، أجده أكثر سهولة من التذكر، ولكن يحتاج إلى محفزات تدفع الفرد إلى النسيان، ماذا تريد أن تنساه، الأشياء، الأسماء و ما يرافقهما، كل ما يجب فعلها أن يحددهما، ويضعهما في ورقة صغيرة ثم يلقيها في الصندوق وإلى المخزن العقلي.


ولكن ما لا أعرفه، ولم أبحث عنه، ولا أنوي في الفترة المقبلة أن أطلع عليه، هي أسرار التي تدفعنا إلى تذكرنا إلى بعض المواقف؟، أليس سهلا لو كان للشخص منا حرية التفكير والاختيار في التذكر والنسيان؟

كيف سيكون عالمنا إن وضع في تلك الخيارات، أليس الإنسان منا له حرية الاختيار، إلا أن هناك أمور في الحياة لا يمكننا أبد اختياره، الأسماء، الأسرة، النسب، لذا تكون ألسنة الكثير من الأصحاب في الآونة الأخيرة أن تزيل بعض المعتقدات التي تزور عقلي أخيراً، وأن أكون إيجابيا، متحفزا، أن لا أفكر بأن الحظ ليس متشرقدا، كيف لي أن أنظر إلى الأشياء عكسها؟ إلى الآن لا أعرف .. لا أعرف شيئا، تمنيت لو كان بمقدوري أن أكون مختلفا عما أنا عليه.