Monday, May 23, 2011

لحظات



كيف يمضي الإنسان ساعاته الأخيرة في الحياة، ما الطرق التي بإمكانه أن يكفر عما فعلت يمناه خلال السنوات الماضية؟ هل سيعتزل العامة وينظر أن يداهمه الموت في أي لحظة؟


وجدت نفسي أمام الطبيب، يتلو تقرير الفحوصات الطبية التي أجرتها جدتي، وهي الإنسان التي دأبت على تربيتي منذ أن كنت طفلا لا أفقه شيئا في الحياة إلى أن صرت رجلا، تلفظ الحكيم بكلمات طبية لا أفقها، بينما هي غير واعية لما يدور حولها في العالم أمامها.


الأطباء خلال الأشهر الستة الماضية لم يتمكنوا أن يشخصوا ما أصابها في صدرها أو ساقها، جميع الفحوصات والأشعة لم تشير إلى أية أعراض لمرض، وأرجع الجميع تلك الأعراض إلى الشيخوخة التي أصابتها قبل ثلاثة سنوات.


الأطباء اكتشفوا خلال الأيام الماضية أنها مصابة بمرض السرطان اللعين، والذي انتشر في أجزاء متفرقة من بدنها، ونظرا لوضعها الصحي المتدهور، فإن خيار العلاج قد انتفى غرضه في هذه المرحلة، والنصيحة التي وجهها الأطباء أن أراجع قسم التمريض إن شعرت جدتي بأعراض الألم القاسي، ليتمكنوا من تقديم بعض المخدرات التي ستزيل عنها ذلك الشعور، إلى أن يأتي اليوم الذي قد كتبه الله عز وجل لها، ويأخذ أمانته.


ولعل من حسن حظها أنها فقدت شعورها بأطراف جسدها قبل شهور قليلة ماضية، وكأن الله عز وجل يريد تخفيف الألم عنها، لا تزال تذكر قبلة الصلاة، وتحافظ على إقامتها في وقتها، ولكنها بدأت تفقد شهيتها على الأكل.


صور وذكريات كثيرة تراودني في الآونة الأخيرة، وأنا أشاهدها جالسة صامته لا تريد الدخول في نقاشات بشأن ما أذيع في البي بي سي صباحا، ولا حتى في ما يعرض على شاشة التلفزيون الذي أمامها كما هي العادة.


تبقى صاحية طوال الليل، تفكر وتسرح في خيالها، وفي ذهني أفكار قد تجاوزت المليون، وأتساءل هل تسترجع ذكرياتها مع جدي في بيتها العتيق؟، هل تتذكر القصص التي ترويها لي عندما كنت في التاسعة من عمري؟ شقة أبو الفدا، وزياراتها المتكررة إلى بيروت وفلسطين؟

أقضي معظم أيامي في جانبها، ألاحظها تنظر إلي بنظرات عميقة، تتجنب الأحاديث الجانبية وتكتفي بالتحديق علي و على الجدران و ما حولها، وأجزم بأنها ترى منزلها بديكوراته القديمة وسقفه العالي القديم.

وأنا انتظر لحظات الأخيرة، لا أعلم متى ولا أملك سوى الدعاء بالرحمة. مرحلة الاحتضار والموت قد تكون في أي لحظة.