Saturday, June 16, 2012

وقفات



خلال الشهور الماضية استمعت لشهادات العديد من الشخصيات البارزة في مشروع صغير أنوي إعداده في القريب العاجل بإذن الله، ومع كل لقاء انتهي بعبارات تصعقني، ليس من باب الاستغراب، ولكن مدى صدق ما سمعته، وهي من الجوانب التي نادرا ما يقولها الأشخاص عن أنفسهم، لم أوجه الأسئلة ليتم الإجابة عليها، وإنما هي اعترافات خرجت بعفوية من ضمن بنود اللقاء.

أولى اللقاءات كانت مع أحد السياسيين المخضرمين، الذي يقول أن والده كان يحرص دائما على توجيه النصح والإرشاد في ما يتعلق في أمور الحياتية والمهنية، ومن الأشياء التي يحرص على تكريسها فيه أن لا يستعجل في اتخاذ القرارات المهمة التي تواجهه، وحذره  " إن استعجلت في الأمور فإن الله سيحرمك منها".

لم يستمع الأبن لنصيحة والده وفي كل مرة استعجل فيها قراراته لم يكتب الله له الفلاح في أمره، إلى أن استمع في المذياع بعد إحدى تلك الحوادث قول علي بن ابي طالب رضي الله عنه "يا ابن ادم لا تفرح بالغنى،ولا تنقط بالفقر،ولا تحزن بالبلاء،ولا تفرح بالرخاء،فان الذهب يجرب بالنار،وان العبد الصالح يجرب بالنار،وما تريد الا بترك ما تشتهي،ولن تبلح ما تؤمل الا بالصبر على ما تكره،وابذل جهدك لرعايه ما افترض عليك،وارضى بما ارادك الله به".

إن السياسي المخضرم لم يتخذ أي قرارات في استعجال منذ استماعه إلى هذا المذياع في مساء ذلك اليوم، ويرجع تحفظه في اتخاذ أي قرارات قبل الاستماع إلى أي موقف سياسي إلى هذه الأشياء، ويعترف قائلا " أخشى أن أفرح، وأخاف من الاستعجال في الأمور حتى لا يحرمني الله منها".

الشخصية الثانية كانت من الشخصيات ذات البعد الفلسفي في الحياة، عاشق للكتابة ومؤرخ جيد، يكتب مذكراته الشخصية بشكل يومي منذ العام 1981، يحتفظ بدفاتره في مخزن منزله بعد اعتزاله الحياة العامة.
قال لي في منتصف اللقاء "لا أعرف الطريق الصحيح في الحياة، ولكني أعرف الطرق الخاطئة، أعرف تماما أن هذا الدرب لن يقودني إلى ما أريده، لذا أتجنبه في كل مرة، ولم أدخل نفسي في أي مطبة منذ بدأت الحياة العامة واعتزلت بإرادتي".
ويضيف "ليس للحياة طرقا صحيحة وأخرى خاطئة، إن الحياة عبارة عن دروب مختلفة لا يمكنك أن تتلقى بالآخر فيها، لذا باب المقارنة غير ذات جدوى، ومن يعتمد على ذلك سيقع حتما في متاعب لا تحصى، لذا أحرص على أن تختار الدرب الذي تراه صحيحا، وأن تتعامل مع كل معوق على حدى دون أن تلتف إلى الآخرين".

المحصلة من اللقاءات أنها حملت معاني صادقة وإن كانت خارج إطار موضوعات البحث، ويبقى التساؤل هل الاستعجال يأتي بالحرمان، وهل هناك طرق صحيحة وأخرى خاطئة في الحياة؟