Wednesday, December 19, 2012

لقاؤنا الأول.


 

هنا، في الجهة المقابلة لكرسييّ هذا جلست أول امرأة وقعت فعليا بحبها، أتذكر من لقاؤنا الأول إني رتلت عدداً من أبيات الشاعر قاسم حداد، في تلك الحقبة من حياتي سجلت بداية ولعي في الشعر البحريني، حاولت جاهداً في تلك الليلة ألا أظهر توتري، تمرنت مرات عدة على ما سأقوله كأي طالب جامعي في الثامنة عشرة من عمره.

كان حبي الأول متذوقا مبهراً للشعر العربي، كانت تدفن جمالها في الحديث عن أمور جدية متعلقة في الأدب والثقافة، ومجرد أن يعترف أحدا بافتتانه بجمالها تعتبره إهانة بالغة، وفي كل مرة أتحدث عن كتابٍ ما أو قصيدة، كان عشقها أن ترد بأبيات قصيرة لإبراهيم ناجي، ليست بقصائد معروفة أو اعتدنا على وقعها بآذاننا، وإنما تلك القصائد المنسية، التي يتداولها عدد محدود جداً من الناس.

 حاولت في تلك الحقبة من حياتي أن أكون مجرداً كأحمد شوقي، ولا زالت زيارتنا إلى "كرامة بن هانئ" محفورة في ذاكرتي، همست بعد زيارتنا تلك إليها قائلا "سأمتلك منزلا كهذا بسقف عال وصالة معيشة فكتورية، وعندها سأسمي المنزل بـ “دار السرور"، وتلقيت بعدها أولى نظرات الغضب".

وأعود إلى اليوم، رحلت تلك الأيام الخوالي، ولم يتبق سوى تلك الذكريات الجميلة، وأكثر ما أتوق إليه هو التحدي المستمر الذي كانت تضعني فيه، تظهر دائما أحسن ما بداخلي من إنسانية، ودائما ما تكون هناك كتب لم أفرغ من قراءتها، ونقاشات عديدة لم ننتهي منها، ومقاهي كثيرة لم نذهب إليها، والتحفيز المستمر لقراءة تاريخ وطني.

ما جعلني الليلة استرجع كل هذه الذكريات هو اقتراح النادل في المقهى الذي اعتدنا أن على قضاء أوقات فراغنا فيه، سألته عما يقترحه لوجبة عشاء لطيفة وخفيفة، وكان رده "كيش يا أفندم"، وهي وجبتها المفضلة، اكتفيت باحتساء قهوتي المعتادة مع كأس من المياه الغازية، أنا وقلمي والذكريات.

 نوفمبر 2012.

Monday, December 10, 2012

لننتصر لقضية "الإيداعات المليونية"




لم يعد المشهد السياسي منذ كشف "القبس" في العشرين من أغسطس 2011 عن "الإيداعات المليونية" لعدد من النواب مجلس الأمة 2009 التي أربكت البنوك كما كان من قبل، فاليوم جميع القواعد السياسية تغيرت، وارتفع سلم مستوى لاعبيها عمّا كان في السابق.
ولّدت "الإيداعات المليونية" غضب شعبي عريض غير مسبوق، أسفرت نتائجه خلال ستين يوما الاستقالة الأولى في الحياة السياسية الكويتية لرئيس مجلس الوزراء السابق، وتعيين نائبه الأول خلفا له، كما أدى سرعان الأحداث السياسية من اقتحام عدد من المواطنين لمجلس الأمة في حادثة تاريخية إلى حل مجلس 2009، والدعوة لانتخابات أخرى نالت المعارضة فيها أغلبية مجلس فبراير 2012 قبل أن تبطله حكم المحكمة الدستورية لأخطاء إجرائية.
لا يختلف إثنان على أن قضية "الإيداعات المليونية" هي من القضايا السياسية العادلة، لكنها أنها غُيبت وسط العراك السياسي المحموم بين مناصريها من المعارضة والسلطة، إلا ما لا يمكن القبول أبداً أن يترك مصير هذه القضية –رغم حفظ النيابة العامة للملف- في يد مجلس الصوت الواحد.
ورغم ما كان، فإنه أصبح من غير المقبول أن تترك القضية في مجلس أمة قد وصل إليه عدد من المتهمين في القضية ذاتها، وآخرين يحملون مواقفاً سياسياً مسبقة لها وصلت إلى حد التشكيك في حقيقة تلك الإيداعات، واستنتجوا مسبقا أن ما تم إثارته هي مجرد لعبة سياسية ملفقة يقودها أحد أطراف النظام، فكيف يترك الملف بهذا الحجم في يد هؤلاء؟
 إنّ لجنة التحقيق في الإيداعات المليونية في مجلس الأمة 2012 المبطل تمكنت من خلال ثمانية اجتماعات موسعة بلغ ساعات عملها 25 ساعة و50 دقيقة خلال الفترة من 15 فبراير 2012 إلى 26 يونيو 2012، استقبلت خلال هذا الاجتماعات أكثر من 25 شاهداً وموظفاً حكومياً، إلى جانب ممثلي قطاع البنوك، قسموا على قول الحقيقة ولا شيء غيره.

لم يكن أهداف تشكيل اللجنة الوصول إلى حسابات المتهمين في القضية، وإنما كشف قصور الأجهزة الحكومية يتصدرها بنك الكويت المركزي، ووزارة المالية، إضافة إلى الجهات التابعة لهما، لكون الوصول إلى الحقيقة الغائبة عن الجميع، بأن المراكز المالية للمتهمين لا يمكن الوصول إليها سوى في حالتين الأمر القضائي والتخويل الشخصي، وهو ما لم يحدث.
وكانت هناك فرصة مواتية لتنفيذ ذلك، عندما تقدمت كتلة العمل الوطني باقتراحها بندب النائبان السابقان عادل الصرعاوي ود.حسن جوهر إلى بنك الكويت المركزي للإطلاع على خلفيات القضية، إلا أن الاقتراح أُسقط برفض حكومي نيابي، وانسحاب كتلة المعارضة حينئذ.
واليوم يقع على عاتقنا جميعاً الانتفاض لنصرة قضية الإيداعات المليونية، أن نجعلها الأولى على سلم أولوياتنا، وأن نطالب بإحالة الملف من دون عبث إلى ديوان المحاسبة للتحقيق في الإجراءات الإدارية والمالية لبنك الكويت المركزي ولوزارة المالية والجهات التابعة لها، والتأكد من مدى التزام تلك الجهات بتنفيذ وتطبيق قانون غسل الأموال، إضافة إلى إمداد الديوان بالأوراق والمستندات التي توصلت إليها لجنة التحقيق.
ولا يجب أبداً النسيان المطالبة بإحالة الأوراق والمستندات التي بحوزة لجنة التحقيق والأمانة العامة لمجلس الأمة بشأن قضية الإيداعات إلى النيابة العامة للتحقيق فيها، لربما تواجدت وتوصلت اللجنة إلى معلومات حساسة وجديدة قد تفتح الملف من جديد.