عندما كنت طفلا صغيراً، عشقت مادة التاريخ، حتى إنني لا أتذكر أن حصلت على تقدير أقل من الامتياز، لاسيما في مواد الاجتماعيات المتعلقة في التاريخ الإسلامي أو المعاصر، لذا تخصصت في الأدب أثناء مرحلة الثانوية لتولعي بالتاريخ.
كلما قلبت الدفاتر والكتب، أجد أمجاد العرب، أجد المبادرة في البحث، وجدت نفسي بين إرث عظيم، فتحنا -نحن العرب- أبواب الطب والرياضيات، الفيزياء والكيمياء، علوم الفلك، حتى علم اللسانيات أو الصوتيات، والمثير للاهتمام أن ابن الهيثم، استطاع أن يقفل باب البحث في علوم اللسانيات والصوت، لأنه شرح وأوضح كل شيء ما يتعلق فيه.
لم يكتفِ العرب في علومهم، بل فتحوا أبواب ترجمة الكتب اللاتينية إلى اللغة العربية، والتي أنقذت العالم في وقت لاحق، عندما انتشر عهد الظلام الأوربي، وبدأت معارك حرق الكتب، كانت نظرات العالم إلينا مختلفة، نظرات الاحترام والتقدير.
عندما أقفل الكتب، ويعود عقلي إلى رشده في العالم الحقيقي، أرى أن الأمور اختلفت كثيراً، العرب فقدوا أهميتهم في العالم، مزق المستعمرون أراضيهم، طردوا في وقت سابق -بداية الانحدار- من الأندلس والصقلية، و من بلاد فارس والسند، حتى إننا فقدنا أراضينا في فلسطين والجولان، إضافة إلى أجزاء من سيناء، والخسائر تزداد في العراق.
مع بداية دراسة التاريخ، كنت أتمنى أن أعاصر أحداثا مهمة، مثل الثورة المصرية، أستمع إلى صوت سعد زغلول من الإذاعة، أو مشاهدة خطابات جمال عبدالناصر النارية، كلها أمنيات من بعد أن تشبعت من الحكايات القومية من خالي عبداللطيف.
ولد والدي فكرة أحاديث منتصف الليل، عندما لا يستطيع أحد منا النوم، القدوم إلى مكتبته في الطابق العلوي، عندها كان يقص علي ما حدث في دواوين الأثنين-قبل أن يتم توثيقهم بالكتب كما حدث أخيراً- ومشاركته في بعض أحداثها مثل أي مواطن.
تأثرت كثيرا بالأحاديث حتى إني دونت بعض الأحداث لأبحث عنها لاحقا، حتى إن كنت أحلم كثيراً أن أكون فعالا في المطالبة بالحياة الديمقراطية، ولم أتوقع في يوم من الأيام أن يكون حلمي في معاصرة مثل هذه الأحداث أن يكون كابوسا.
تعرض ممثلي الشعب نواب مجلس الأمة إلى الضرب أمامي في الثامن من ديسمبر ٢٠١٠ الماضي، كما تعرض أحد أعز الأصدقاء لضرب مبرح، وكاد أن يشل، لولا لطف الله فيه، لم أتكن أتصور أن تكون معاصرة هذه الأحداث بقدر هذا الألم، وكلما تذكرتها ازداد ألمي.
رغم مرور ٤٨ سنة على إقرار دستور ١٩٦٢ بارتضاء الأسرة الحاكمة والشعب، إلا أننا نتعرض لابتزاز مستمر طوال السنوات الماضية من بعض الأطراف، وتهديد ووعيد بالتوقف عن العمل به، فقط لأننا نشاركهم الحياة السياسية وإدارة هذا البلد وفق أطر دستورية.
رغم بشاعة المشهد يوم الأربعاء الأسود في ديوان النائب د.جمعان الحربش إلا أنه لم يؤثر في نفسي مثلما حادثة وفاة المواطن محمد غزاي الميموني المطيري بعد أن تعرض للتعذيب على أيادي ضباط مباحث وزارة الداخلية، وهي المسؤولة عن أمن وسلامة المواطنين!
اختطاف مواطن من مقر سكنه، تعذيبه منذ يوم الأربعاء إلى وفاته فجر الثلاثاء، تعرض لضرب مبرح، تعذيب باستخدام آلات لم أسمع عنها، منذ حوادث التعذيب العراقية على الكويتيين أثناء احتلال العراقي على البلاد في أغسطس العام ١٩٩٠.
كل هذا يحدث اليوم، بعد أن صنفنا الدولة العربية الأولى بالمرتبة ٦١ عالميا في حرية التعبير والصحافة، واليوم انحدرنا ١٩ درجة.
في سنة ١٩٥٨ صرف أمير الكويت عبدالله السالم مبلغ ١٥٠ مليون روبية – قبل صدور عملة الكويت الرسمية، واستقلال الكويت- على التعليم والمنشآتها، واليوم تعرض وزيرة التربية والتعليم العالي المناصب القيادية في المناطق التعليمية في عملية محاصصة سياسية، كما عرضت منصب مدير جامعة الكويت إلى أحد الموالين لكبار سراق المال العام، وذلك حسب ما نشر في الصحف أخيرا.
الكويت التي أنجبت يوسف القناعي، عبدالله وعبدالعزيز الصقر، عبداللطيف ثنيان الغانم، حضير المشعان، رغم تعليمهم البسيط، إلا أنهم دافعوا دفاعا مستميتا عن الحرية في الكويت، واليوم يمجد البعض سعدون حماد، عدنان المطوع، رولا دشتي، سلوى الجسار.
في ١٩٣٨ سجن عبداللطيف الثنيان الغانم، سليمان العدساني، مشعل الخضير، يوسف المرزوق، وصالح العثمان لأنهم طالبوا بحياة ديمقراطية، واليوم يواجه خالد الفضالة ومحمد عبدالقادر الجاسم قضايا متعددة فقط لأنهم انتقدوا رئيس الوزراء بصفته وليس كشخصه.
المقارنات في هذه المسائل قد تؤدي البعض إلى أمراض القلب.
صدق من قال.. كلما ازدادت معرفة الشخص، زاد همة... وآفة العالم النسيان.
اليوم تمر الدول العربية في أزمة منتصف العصر، تونس خلعت رئيسها القمعي، مصر تعيش حالات عدم استقرار بعد تفاقم المسائل السياسية، تدني الأجور وازدياد حالات البطالة، في الأردن أكثر من ٢٥ في المائة يعيشون تحت خط الفقر، في دولة صنفتها التقارير الاقتصادية أنها الأعلى ارتفاعا للأسعار في الوطن العربي.