Friday, January 20, 2012

أوهام انتخابية – هيئة مكافحة الفساد




يصور البعض خلال انتخابات مجلس الأمة أنه بمجرد إقرار حزمة قوانين مكافحة الفساد أو ما يسمى بقانون هيئة النزاهة والشفافية، والذي يتضمن قوانين كشف الذمة المالية،حماية المبلغ،تضارب المصالح،حق التوصل إلى المعلومة، فإن أزمة الفساد التي تعيشها البلاد ستنتهي، وسنبدأ صفحة جديدة ناصعة البياض، وبدايتها نظيفة.

إن من يسّوق لهذه البرامج علينا أن لا نوصله إلى مجلس الأمة، لأنه في الحقيقية فإنه يبيع الأوهام على الناخبين، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تحل هذه القضايا في إقرار هذه القوانين، ولأسباب متعددة، أولها إنك لا يمكنك أن تلزم نائب مجلس الأمة مبدئيا من كشف ذمته المالية، لأنه في طبيعة الحال إنه يتطلب تعديل قانون الانتخاب، مبدئيا، وقوانين أخرى بشكل متتابع، وهذا ما لم يخاض فيه.

أما في ما يتعلق في إنشاء هيئة لمكافحة الفساد يثير الكثير من العلامات الاستفهام بشأن آلية عمل هذه الهيئة، وهل يحق لها التحقيق، لاسيما إن جهات التحقيق في الدولة مسنودة إلى الجهات الأمنية والقضائية، وهنا يدخلنا في مسألة تداخل السلطات، وشبهة دستورية مع نص المادة 50 من الدستور، والتي تنص على فصل السلطات.

وإن كان المخرج أن يرأس أو يعين قضاة لترؤس هذه الهيئة، نضع تساؤلات عدة، من الذين سيتم اختيارتهم، وما الآليات، وهل سيختارهم مجلس القضاء الأعلى؟، وهنا تكمن مشكلة ضخمة جداً، وهو اعتراض مجلس القضاء على مسألة تفريغ القضاة الكويتيين للعمل في هذه الهيئات، لاسيما أن هذا يعني خسارة الجسم القضائي لعدد من الكويتيين وهم في الأصل لا يتعدون 257 قاضيا، وهذا العدد رسمي لما أصدره المجلس في إجابته إلى مسألة ضم العاملين في الإدارة العامة للتحقيقات إلى النيابة العامة في 2010، وهنا ينبغي أن نستخرج من يتم الاستعانة بهم في الجهات الحكومية وهم كثر.

وفي جهة مقابلة، إن النص الدستوري للمادة 34 يقول أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وهو مبدأ كوني، ولكن حسب القانون، فإن النائب متهم حتى يثبت عكس ذلك، وهو ظلم.
ولكن المصيبة تكمن في أنه إذا تم إقرار القانون كيف سيتم تطبيقه؟ هل سيتم الكشف عن الذمم المالية عن النواب منذ دخولهم مجلس الأمة، وإن اتفقنا في ذلك، فكيف سنحاسب أو نقاضي أو نحكم على نائب استلم أموالا في مجالس سابقة، وكيف يتم معاقبته على فعل لم يكن محرما أو مجرما في السابق؟

وهنا أطرح مثال سهل جداً، إن لم يحرم الخمر الليلة الماضية، وطرحت الحكومة مرسوم تدابير وفق المادة 71 من الدستور بتحريم الخمر، فهل بإمكان الحكومة إلقاء القبض على أي مواطن عاقرها الليلة الماضية، فكيف يتم معاقبة شخص على فعل لم يكن مجرما في السابق؟

وفي جهة أخرى، وهذه قضية مهمة جداً، كيف بإمكاننا أن ندقق في حسابات النواب أو غيرهم من تقلد المناصب القيادية في الدولة من دون أن تكون هناك مسطرة واضحة في معرفة الحسابات المتضخمة، وإن كانت طبيعية من تراكم رواتب أو استثمارات؟

أنه بطبيعة الحال لا يمكن معرفة تضخم الحسابات بطريقة مريبة شكليا دون أن يكون هناك نظام ضريبي يحدد نسبة التضخم، وإن كانت طبيعية أم لا، وهنا ينبغي التفريق بين قضية "الإيداعات" المليونية وأنا أتحدث عن قضية لا تتعلق بإيداعات.

إن قانون الجزاء نص صراحة في مواده على عقوبات للراشي والمرتشي، ووضع عقوبات كذلك لتضخم الحسابات، والحل الأنسب هو إنشاء هيئة تدقيق مستقلة للكسب غير المشروع، ولكن نحتاج إلى دراسة قانونية وحلول أخرى سليمة، وليست مماثلة لمن يدعي الإصلاح، أحذروهم فهم يبيعون الوهم علينا.

Monday, January 9, 2012

العهد الجديد - 2




ستتوجه أنظار المراقبين السياسيين إلى الكويت خلال شهر فبراير المقبل، وهو موعد بدء مجلس الأمة الجديد أعماله، ويأتي هذا بعد سلسلة  من المظاهرات السلمية التي قادها الحراك الشبابي، وسط فكر عسكري عتيق فضلت خيار العنف مقابل الانصات والاستماع لمطالب الشباب.
ويتبادر إلى الأذهان إن كانت انتخابات مجلس الأمة المقبلة ستقضى على عمليات الفساد المستشرية في أجهزة الدولة الرسمية، أو تعديل للقوانين المتهالكة،والتي لم تعد أصبحت تثقل كاهل السلطة التنفيذية، وعطلت المشاريع الاستثمارية الكبرى.
التوجه إلى الإجابة عن السؤال السابق قد تكون نتائجه مؤلمة، لاسيما إنني أكون قد أجبت عليها في "بوستات" عديدة سابقة، هو إن الانتخابات المقبلة لن تحل أي نوع من أنواع المشاكل التي تعاني منها الدولة، لأن المجلس في الأساس لا يناقش القضايا الرئيسية التي تعاني منها الكويت، وإنما القضايا الهامشية.
مشكلتنا اليوم أنه واجب علينا إعادة تقييم تجربتنا الديموقراطية، وذلك من خلال قياس أداء مجالس الأمة المتعاقبة، مع وضع في الاعتبار جودة التشريعات واتجاهاتها الصادر منها، وهل تمكن المجلس من صياغة قانون واحد ذات جودة ومنفعة للبلد، وهل تمكن المجلس من استشراف القضايا الرئيسية التي تهم البلد ومصالحه؟
إن الدستور الكويتي الذي صدر في 11 نوفمبر 1962، رسم الدولة المدنية والنظام، حيث وضع النظام الدستوري لوضع الأسرة الحاكمة في المادة الرابعة، كما وضع السلطات الكاملة في يد الأمة مصدرها في المادة السابعة، كما ضبط قانون توارث الإمارة طريقة انتقال السلطة سلميا لرئاسة الدولة الأميرية.
ولم يغفل الدستور عن النظام الاقتصادي للدولة، فهو رسم وضع اقتصادي وطني، وترك تفاصيله إلى السلطة التنفيذية، والتي من واجبها تحديد هويته، ولم يغفل الدستور عن واجب المواطنين في دفع الضرائب العامة في المادة 48 من الدستور.
وبعد أن وضع أمير البلاد الراحل الشيخ عبدالله السالم الدستور، ووقع حيز التنفيذ، لم يؤمن بعض المتنفذين في البلاد العقد الاجتماعي الذي تم إبرامه، ما دخلنا في معضلات مستمرة إلى يومنا اليوم.
وأدى ذلك بطبيعة الحال إلى التحرك إلى تزوير انتخابات مجلس الأمة، والدفع نحو تعليق بعض مواد الدستور مرتين، وتأسيس ديموقراطية صورية من خلال المجلس الوطني سيء الذكر، وذلك على حساب العمل على تشكيل الدولة وطبيعتها وأنظمتها.

ولا نزال إلى اليوم نعيش في هذا الاتجاه، في ظل اعتماد الدولة اليوم على مصدر واحد للدخل وهو النفط، وتضخم الباب الأول للميزانية العامة للدولة المخصص للرواتب والأجور، وكنت قد كتبت في هذا الشأن الاقتصادي في "بوست" سابق هنا.
إذاً ما العمل؟
إن ما قاله مرشح الدائرة الثانية والنائب السابق محمد الصقر في ديوانية الوقيان في الفيحاء أمس الأول ينبغي التفكير فيه، وتجدر الإشارة هنا، أنه من اللافت للنظر أن يطلب أحد كبار رموز التيار الوطني بتعديل الدستور تعديلا جذريا، وما طرحه منطقي جداً.
بين الصقر أن التعديلات ينبغي أن تنصب مبدئيا على أمور مهمة جداً مثل زيادة مقاعد اعضاء البرلمان، إضافة إلى حصول الحكومة على ثقة البرلمان، وهي تعديلات سبق أن طالبت بها كتلة التنمية والإصلاح، وقد كتبت عن هذا الأمر في وقت سابق هنا.
ولكن قبل التعديل، ينبغي علينا أن نبدأ حملة شعبية أو حزبية لتعديل القوانين المتعلقة بالحريات مثل تعديل قانون الإجراءات في الشق المتعلق بالحبس الاحتياطي مثلا، والعمل على نقل إدارتي التحقيقات والأدلة الجنائية، إضافة إلى الطب الشرعي إلى النيابة العامة حسب المادة 167 (الدعاوى العمومية) من الدستور، وإلغاء الاستثناء المعمول به اليوم.
ومن ثم الاتفاق على أسس وقواعد عامة قبل الخوض في هذا الاتجاه