Saturday, November 19, 2011

Doing India.


كنت قد أوردت بعض مما دونته به خلال رحلتي إلى الهند، وهنا سأستكمل البقية.

في الرحلات يكتشف الإنسان ذاته، وكأنه أُنزل إلى الأرض قبل لحظات، وفي رحلتي هذه أردت أن أكون أشبه بالإدريسي على رأس سفينة متجهة بحرا إلى أدنى نقطة في المحيط الهندي، كسرت حاجز بحر العرب، وتركت ورائي مومباي، وتوقفت عند كيرلا أبحث عن جزر ومدن جديدة لأضيفها إلى خارطتي.
رغبت في تدوين أسرار هذه المدينة في دفتري الصغير إلى جانب رحلاتي السابقة، لذا كرست نفسي خلال الرحلة بتدوين ملاحظاتي والأفكار بلحظتها، وأردت أن تكون تجربتي الجديدة لافتة ومثيرة للفضول.
كان الأديب الإنكليزي الوكيح فرانسيس بيكون قد سرد في "بذور" مقالاته أن للسفر فوائد عشر- البعض يشير إلى أنها سبعة- ولا أعرف كيف تمكن أن يحصرها في هذا العدد الضئيل، لاسيما أن مغامرات السفر إلى مثل هذه الجهات الرائعة لا يمكن تحديد الاستفادة منها.
وأكثر ما أحبه في السفر أن أحمل حقيبتي الصغيرة وكاميرتي الصغيرة –لست مصورا محترفا- والتجول في أرجاء المدينة دون هدف أو سبب واضح سوى الضياع بين أزقة المدن، وهو ما يمدني دائما للكتابة ، تمنحني الفرصة لرؤية الحياة من زاوية جديدة خالية من التصنع وفيها تتجلى الحقيقة المجردة.
لم ترد زيارة الهند إلى ذهني، وكان زواج أحد الأصدقاء الأعزاء ورائها، بينما كان الذهاب مشروط بأن يكون بوفيه العرس "برياني دجاج" متبل بالطريقية المِدراسيّة، وتعهد الرفيق أديب ونفذ وعده، وتعود علاقتي بأديب منذ إن كنا صغارا.
استغرقت الطريق من مطار كوتشن إلى فندقنا في جزيرة ويلينغتون الجنوبية نحو خمسة وأربعين دقيقة، رأينا من خلالها طبيعة المدينة الجنوبية، وكان لافتا اخضرار الطريق، وكأنه طريقا زراعيا، رغم الأجواء الممطرة، والذي تبين أن زيارتي تصادفت مع موسم "المونسون"، وهو موسم تساقط الأمطار الغزيرة في أرجاء البلد.
ورغم حالة الطقس والساعة المتأخرة، إلا أن ذلك لم يمنع عمّال الطرق من العمل تحت الأمطار، رأيت أطفالا لم يتجاوزا العاشرة من أعمارهم يعملون على وضع الإسفلت بانتظار سيارات الأشغال العامة ومعداتهم لإعادة أرصفة الطرق السريعة.
مررنا في طريقنا إلى منطقتنا المحاذية للمحيط الهندي إلى جسور عتيقة بنيت على أنهار وربما بحيرات ضخمة، وفي منتصف الطريق فقدنا الإرسال في أجهزتنا الخليوية، كما افتقدنا للنور في معظم الطريق الزراعي، واكتفى السائق بأنوار وإضاءة المركبة، ربما هذه الأجواء ذكرتني في مدينة القاهرة قليلا، ولم يأخذ السائق سوى 650 روبية، ما يعادل ثلاثة دنانير ونصف الدينار.
منظر من برندة غرفتي

غرقت في سباتي منذ لحظة دخولي الغرفة المطلة على المحيط إلى أن فزعت على صوت الأذان، وأحتجت إلى خمسة دقائق لأعرف إن كان ما سمعته حقيقة أم أنه هوس ناتج عن أعباء السفر، اتصلت بموظف الاستقبال للاستفسار عن ذلك الأذان، والذي بدوره بيّن أن هناك مسجدا كبيرا يقع على الضفة الأخرى من موقع فندقنا، كان واقع ذلك الخبر مطمئنا بأني لازلت أحافظ على ارتكاز عقلي ورجاحته.
وبعد أن استيقظت من النوم، اقترح علي بو أديب زيارة أهم معالم المدينة وهو "القصر الحكم"، وعندما وصلت إلى القصر تم منع الزوار من التقاط الصور، كما تمت مصادرة هواتف الزوار النقالة والكاميرات الشخصية.
ويتكون القصر نحو 6 مباني ضخمة، القصر الرئيسي يتكون من 28 غرفة نوم، وغرفة للرقص، وصالة استقبال واسعة، ويحتوى القصر على سرداب ضخم مصنوع من الحديد، وهي عبارة عن خزانة كبيرة بها مجموعة واسعة من المجوهرات الثمينة جدا تقدر بالملايين، كما يتمتع القصر بالطابع الإنكليزي، واحتوى القصر على أربع حدائق رئيسية ضخمة بها أعداد كبيرة من الحيوانات النادرة، وتم تحويلها إلى محمية خاصة.
وفي المساء، توجهت مع بو أديب إلى سوق اليهود بعد توصية من الزين في بوست سابق دونته هنا، ولم أتوقع أن تكون الديانة اليهودية إحدى الديانات الدارجة في الهند، وفعلا دخلنا المعابد اليهودية، وتسوقنا في سوق اليهود.
ويقول بو أديب أن 80 في المائة تقريبا من الهنود يعتنقون الديانة الهندوسية و15 في المائة يعتنقون الإسلام و5 في المائة يعتنقون ديانات أخرى من ضمنهم "السيخ"، مبينا أن الديانة اليهودية والهندوسية هي من الديانات القديمة المنتشرة في الهند.

 سيارة هندوستان "أمباسادور" هندية الصنع بدأت الانتاج العام 1958
ومن الأشياء اللافتة إلى الاهتمام أن كيرلا تحتوي على نسبة كبيرة من المسلمين، إلا أن الحزب السياسي المسيطر في المنطقة، وممثلها في البرلمان هو الحزب الشيوعي، ويقول بو أديب أن ممثل البرلمان لا يمتلك رواتب قوية، ولكن يعتمد على النفوذ والعلاقات الشخصية التي قد تؤدي ممثل الشعب إلى الثراء.


وعندما ركبنا سيارة الأجرة في طريقنا إلى الفندق، كانت مركبتنا من النوع "الأمباسادور" وتعني السفير والإنكليزية وتصنعها شركة "هندوستان" وهي مصنوعة كاملة على أيدي هنود، وتصادف أن هذه السيارة توزع على أعضاء البرلمان كإحدى مميزات ممثل الشعب، وهي سيارة ذكرتني بسيارات الفيات القديمة المنتشرة في مدينة القاهرة المصرية.
 المعرس والعروس قبل بدء مراسم الزفاف
في اليوم التالي، أصطحبني بو أديب إلى الكنيسة لحضور مراسم زفاف نجله، وكان قد اشترط علي أن أرتدي الدشداشة والغترة والعقال، وكنت محط نظر دائم واستغراب من الضيوف، إلا من عائلة بو أديب وأخيه.
يأتي بو أديب من أصول هندية، اعتنقت الديانة المسيحية من جده الخامس، وأبيه وأخوته هم من رعاة الكنيسة التي احتضن حفل الزفاف، واستمر حفل الزفاف نحو ساعتين، وعند وصولنا تم توزيع برنامج الحفل.
المراسم طولت كثيرا، ولم أفهم منها شيء، اكتفيت بالابتسامة، بعد أن انتهينا من المراسيم، التقطنا صور تذكارية مع المعرس والعروس قبل أن نعبر الشارع للبوفيه الفاخر، وأوفى بو أديب، رياني دجاج هندي فاخر.

بعد الغداء توجهنا للفندق للراحة، ثم أكملنا سهرتنا في الماريديان وسط حفلة ساخبة استمرت إلى الرابعة فجرا.

اتجهت إلى خارج قاعة الحفل لبعض الوقت، وتصادف وجود في اللوبي فرقة هندية جميلة استمتعت بالمقطوعات التي عزفوها، لأنصدم بعدها أنهم مكفوفين، يعزفون الموسيقى بشكل رائع، وبعد عملية استنزاف صعبة استطعت من أصور بعض المقطوعات بالفيديو عن طريق الهاتف النقال.
وفي اليوم التالي غادرت البلاد، وانتهت رحلتنا بعد زيارتي لكوتشين (كيرلا) و مومباي ونيودلهي.

الهند - أغسطس 2010