Wednesday, December 19, 2012

لقاؤنا الأول.


 

هنا، في الجهة المقابلة لكرسييّ هذا جلست أول امرأة وقعت فعليا بحبها، أتذكر من لقاؤنا الأول إني رتلت عدداً من أبيات الشاعر قاسم حداد، في تلك الحقبة من حياتي سجلت بداية ولعي في الشعر البحريني، حاولت جاهداً في تلك الليلة ألا أظهر توتري، تمرنت مرات عدة على ما سأقوله كأي طالب جامعي في الثامنة عشرة من عمره.

كان حبي الأول متذوقا مبهراً للشعر العربي، كانت تدفن جمالها في الحديث عن أمور جدية متعلقة في الأدب والثقافة، ومجرد أن يعترف أحدا بافتتانه بجمالها تعتبره إهانة بالغة، وفي كل مرة أتحدث عن كتابٍ ما أو قصيدة، كان عشقها أن ترد بأبيات قصيرة لإبراهيم ناجي، ليست بقصائد معروفة أو اعتدنا على وقعها بآذاننا، وإنما تلك القصائد المنسية، التي يتداولها عدد محدود جداً من الناس.

 حاولت في تلك الحقبة من حياتي أن أكون مجرداً كأحمد شوقي، ولا زالت زيارتنا إلى "كرامة بن هانئ" محفورة في ذاكرتي، همست بعد زيارتنا تلك إليها قائلا "سأمتلك منزلا كهذا بسقف عال وصالة معيشة فكتورية، وعندها سأسمي المنزل بـ “دار السرور"، وتلقيت بعدها أولى نظرات الغضب".

وأعود إلى اليوم، رحلت تلك الأيام الخوالي، ولم يتبق سوى تلك الذكريات الجميلة، وأكثر ما أتوق إليه هو التحدي المستمر الذي كانت تضعني فيه، تظهر دائما أحسن ما بداخلي من إنسانية، ودائما ما تكون هناك كتب لم أفرغ من قراءتها، ونقاشات عديدة لم ننتهي منها، ومقاهي كثيرة لم نذهب إليها، والتحفيز المستمر لقراءة تاريخ وطني.

ما جعلني الليلة استرجع كل هذه الذكريات هو اقتراح النادل في المقهى الذي اعتدنا أن على قضاء أوقات فراغنا فيه، سألته عما يقترحه لوجبة عشاء لطيفة وخفيفة، وكان رده "كيش يا أفندم"، وهي وجبتها المفضلة، اكتفيت باحتساء قهوتي المعتادة مع كأس من المياه الغازية، أنا وقلمي والذكريات.

 نوفمبر 2012.

Monday, December 10, 2012

لننتصر لقضية "الإيداعات المليونية"




لم يعد المشهد السياسي منذ كشف "القبس" في العشرين من أغسطس 2011 عن "الإيداعات المليونية" لعدد من النواب مجلس الأمة 2009 التي أربكت البنوك كما كان من قبل، فاليوم جميع القواعد السياسية تغيرت، وارتفع سلم مستوى لاعبيها عمّا كان في السابق.
ولّدت "الإيداعات المليونية" غضب شعبي عريض غير مسبوق، أسفرت نتائجه خلال ستين يوما الاستقالة الأولى في الحياة السياسية الكويتية لرئيس مجلس الوزراء السابق، وتعيين نائبه الأول خلفا له، كما أدى سرعان الأحداث السياسية من اقتحام عدد من المواطنين لمجلس الأمة في حادثة تاريخية إلى حل مجلس 2009، والدعوة لانتخابات أخرى نالت المعارضة فيها أغلبية مجلس فبراير 2012 قبل أن تبطله حكم المحكمة الدستورية لأخطاء إجرائية.
لا يختلف إثنان على أن قضية "الإيداعات المليونية" هي من القضايا السياسية العادلة، لكنها أنها غُيبت وسط العراك السياسي المحموم بين مناصريها من المعارضة والسلطة، إلا ما لا يمكن القبول أبداً أن يترك مصير هذه القضية –رغم حفظ النيابة العامة للملف- في يد مجلس الصوت الواحد.
ورغم ما كان، فإنه أصبح من غير المقبول أن تترك القضية في مجلس أمة قد وصل إليه عدد من المتهمين في القضية ذاتها، وآخرين يحملون مواقفاً سياسياً مسبقة لها وصلت إلى حد التشكيك في حقيقة تلك الإيداعات، واستنتجوا مسبقا أن ما تم إثارته هي مجرد لعبة سياسية ملفقة يقودها أحد أطراف النظام، فكيف يترك الملف بهذا الحجم في يد هؤلاء؟
 إنّ لجنة التحقيق في الإيداعات المليونية في مجلس الأمة 2012 المبطل تمكنت من خلال ثمانية اجتماعات موسعة بلغ ساعات عملها 25 ساعة و50 دقيقة خلال الفترة من 15 فبراير 2012 إلى 26 يونيو 2012، استقبلت خلال هذا الاجتماعات أكثر من 25 شاهداً وموظفاً حكومياً، إلى جانب ممثلي قطاع البنوك، قسموا على قول الحقيقة ولا شيء غيره.

لم يكن أهداف تشكيل اللجنة الوصول إلى حسابات المتهمين في القضية، وإنما كشف قصور الأجهزة الحكومية يتصدرها بنك الكويت المركزي، ووزارة المالية، إضافة إلى الجهات التابعة لهما، لكون الوصول إلى الحقيقة الغائبة عن الجميع، بأن المراكز المالية للمتهمين لا يمكن الوصول إليها سوى في حالتين الأمر القضائي والتخويل الشخصي، وهو ما لم يحدث.
وكانت هناك فرصة مواتية لتنفيذ ذلك، عندما تقدمت كتلة العمل الوطني باقتراحها بندب النائبان السابقان عادل الصرعاوي ود.حسن جوهر إلى بنك الكويت المركزي للإطلاع على خلفيات القضية، إلا أن الاقتراح أُسقط برفض حكومي نيابي، وانسحاب كتلة المعارضة حينئذ.
واليوم يقع على عاتقنا جميعاً الانتفاض لنصرة قضية الإيداعات المليونية، أن نجعلها الأولى على سلم أولوياتنا، وأن نطالب بإحالة الملف من دون عبث إلى ديوان المحاسبة للتحقيق في الإجراءات الإدارية والمالية لبنك الكويت المركزي ولوزارة المالية والجهات التابعة لها، والتأكد من مدى التزام تلك الجهات بتنفيذ وتطبيق قانون غسل الأموال، إضافة إلى إمداد الديوان بالأوراق والمستندات التي توصلت إليها لجنة التحقيق.
ولا يجب أبداً النسيان المطالبة بإحالة الأوراق والمستندات التي بحوزة لجنة التحقيق والأمانة العامة لمجلس الأمة بشأن قضية الإيداعات إلى النيابة العامة للتحقيق فيها، لربما تواجدت وتوصلت اللجنة إلى معلومات حساسة وجديدة قد تفتح الملف من جديد.

Wednesday, November 21, 2012

البحث عن وسيلة للتنقل



نوفمبر 2012

ذهبت اليوم إلى مدينة فورت دوج، وحسب الخريطة الإلكتروني –التي لا علاقة لي لها –أنها تبعد نحو 125 ميلا إلى الجانب الغربي من حيث أقيم حاليا، استغرقت الرحلة ذهابا نحو ساعتين ونصف الساعة، ومثلها في الرجوع إلى مدينتي الصغيرة شرقي ولاية آيوا الباردة.

التنقل بين المدن في آيوا صعب جداً، وبعد بحث دقيق، تبين أن الولاية لا تمتلك سكك حديدة لاستخدام الأفراد، وإنما هي مخصصة للاستخدام التجاري البحث، فيما تمتلك الولاية شركتين تجاريتين مخصصتين للنقل الجماعي، وما أثار سخطي واستفزازي الشديدين أنه رغم أن المسافة بين المدينتين، والتي لا تستغرق سوى ساعتين، فإن الرحلة عبر الحافلة ستستغرق 19 ساعة، لكون الحافلة ستتوقف في كل نقطة داخل مدينتي والمقاطعات الصغيرة إلى فورت دودج.

وبدأت أفكر بخطط بديلة عن تلك التي باءت بالفشل، واستهلاك 20 دولار في التنقل من محطة الحافلات إلى مكان سكني في وسط المدنية، غامرت وأجريت اتصالا على مكتب أحد شركات الأجرة، وطلبت توفير سيارة في اليوم التالي، وبلغت التكلفة ذهابا وإيابا مع أربعة ساعات انتظار نحو ستمئة دولار، وافقت على مضض، لكوني مضطر إلى الذهاب إلى فورت دوج، وبدأت أتذمر لأني تركت إجازتي الدولية في حجرتي في الكويت.

البحث عن وسيلة للتنقل من مدينة لأخرى في الولاية أشبه بالبحث عن الذهب في الولايات الغربية بمنتصف القرن الرابع عشر، أجد مناقشة هذا الأمر مع عدد كبير من الأمريكيين في هذا الأمر سخيف جداً، ونحن في العام 2012.

 

نزلت إلى الشارع عند الساعة الخامسة فجراً في انتظار سيارة الأجرة لرحلة الأنس إلى فورت دودج، درجة الحرارة ممتازة، وبعد اطلاعي على برنامج الطقس في هاتفي تشير إلى -3 درجة سيليزية، لدرجة إني ارتديت نصف الحقيبة التي حملتها معي، فلست معتاد على هذا الطقس الجاف المجحف بالبرودة، حتى وصلت مركبتي.

امرأة عجوز في العقد السادس من عمرها، بكل لطف القت التحية، ثم سألت "قرمت؟"، وكانت إجابتي "نعم"، ثم دخلت إلى المركبة بسلام، العجوز لطيفة تدعى شيريل، وهي سيدة متطورة تكنولوجيا، فتحت حاسوبها المتنقل ثم جهاز الملاحة، وبدوري زودتها بالعنوان المراد الذهاب إليه.

البداية لم تكن موفقة من الجانبين، لم نكن نثق ببعضنا، فهي طلبت أن أدفع قيمة المشوار مقدما، وأنا طلبت أن أدفع النصف، أي قيمة مشوار الذهاب فقط، مع احتفاظي بالمبلغ المتبقي لحين الرجوع، وهنا توصلنا إلى الاتفاق يرضي الطرفين، وطلبت لاحقا فاتورتين منفصلتين لأسباب إدارية خاصة.

اتضح خلال رحلة "الضيم" أن شيريل كأي امرأة مسنة –وهي قاعدة عامة -تحب "الهذرة" بدرجة خيالية، حتى أنني فكرت إنها ربما تم إرضاعها بسن "بشتختة"، أو ربما قضت أيام طفولتها إلى جانب مذياع مفتوح حتى أثناء نومها، ولكنها كانت تملك قلب طيب جداً، حاولت الإجابة عن استفساراتي عن طبيعية الحياة الريفية في آيوا، وعن آخر أسعار القمح في الولاية، وقيمة استهلاكه، إضافة إلى أثر صناعة الإيثانول المركز على قيمة القمح وتأثيره المباشر على المواطنين.

وبعد مرور ساعة ونصف الساعة طلبت شيريل أن تفك "زنأتها" في إحدى محطات البنزين، وهذا شيء كان من المفترض أن أتوقعه، وما يعني إننا تأخرنا نحو ربع ساعة على الطريق، وكانت الفرصة جميلة لاستطلاع آراء المتواجدين في المحطة عن انتخابات الرئاسة الأمريكية، ولكني "هونت" بعد أن رأيت نظرات المتواجدين في المحطة، وكأني أحمل قنبلة يدوية، اشتريت قنينة مياه وبعض السكاكر، دفعتها "بالعافية"، ثم رجعت إلى المركبة.

 

 الطريق إلى فورت دوج طويل مثير للاهتمام، الطريق I-20-East، مقسم إلى ثلاثة أقسام، الأول طريق حضري بسيط، بعدد لا يستهان به من الحفر، وهي منطقة تذكرني كثيراً في السالمية – الجهة المقابلة لنادي السالمية – أو حولي، أما الجزء الثاني، فهو متوسط الطول، يحيط الطريق مزارع القمح ومصانع الإيثانول، إضافة إلى عدد كبير من الطواحين الهوائية، والتي تزود تلك المزارع بالطاقة الكهرباء.

وعلى حسب معلومات النسرة شيريل، فإن الحكومة الأمريكية تقدم الدعم لمن يستخدم هذه التكنولوجيا الأوروبية، لأنها صديقة للبيئة، وتوفر بشكل كبير للطاقة الكهربائية، وهي طريقة ذكية لتحفيز أصحاب تلك المزارع، ويقدر الدعم السنوي بنحو 70 ألف دولار، إضافة إلى تقديم القروض لمن يريد بناء هذه الطواحين بنسبة فوائد منخفضة تكاد تكون معدومة.

في الشق الثالث من الطريق فإننا ندخل إلى مدن عدة صغيرة، ينخفض السرعة في الأقسام الثلاثة من 65 إلى 55 ثم 45 عند اقتراب المدينة، ثم 35 إلى 25 ميلاً في الساعة داخل أحياء المدن، ثم العودة إلى 65 ميلا للطرق ذات الحارتين و55 ميلا للطرق ذات الحارة الواحدة ذهابا وإيابا.

وصلنا بحمد الله والمنة إلى مدينة فوردت دوج عند الساعة التاسعة والنصف، وذلك بسبب توقف شيرل المتكرر، وبما أن الوقف كان مبكراً على موعدي، فإنها أصرت على إقامة وليمة إفطار في "الداينر" القريب من مقر موعدي، طبق شهي من البيض المخفوق والقهوة الأمريكية السوداء الداكنة.

بدأت شيريل بالحديث طبعاً عن نفسها، وصدمت عندما تبين أنها صاحبة شركة الأجرة، وهي أم لثلاثة أولاد وبنت، ولديها ثمانية من الأحفاد حتى الآن، زوجها متقاعد وعسكري سابق، بينما ابنها هو المسؤول عن الشركة، أما هي فهي تعشق القيادة والسفر لمسافات طويلة، وتقول أنها قبل ثلاثة أيام كانت في رحلة إلى شمال الولاية في رحلة امتدت لأربع ساعات متواصلة، كانت مهمتها مطاردة القطار الذي يحمل مواد إشعاعية مهمة، وكان رجال إحدى وكالات الأمنية في الولايات المتحدة أستأجر خدماتها في متابعة القطار، ومعها اثنان من المهندسين لمتابعة القطار، وهم فنيين مهمتهم تصليح القطار في حالة حدوث أي طارئ.

حضرت لقائي الخاص، وامتد لنحو أربع ساعات، وبعد الانتهاء بدأت أقلق على شيريل، ليس لارتباط عاطفي، ولكني خشيت أن تكون قد قررت الرحيل وتركي وحيداً هنا، فالمدينة "تييب القامت"، وبعد اتصالين اثنين قررت الرد علي، وتبين أنها كانت تعمل على حاسوبها الشخصي، ثم وصلت بعد ربع ساعة من الانتظار.

ودفعت "المقسوم" أولا كما الاتفاق، كانت رحلة العودة مملة ومرهقة، حضنت حقيبتي التي أحملها على كتفي ثم غفوت لساعة تقريبا أي تقريبا نصف الطريق، وثم بدأت أقلب الصور التي التقتها خلال لقائي من خلال كاميرتي، والاستمتاع بصوت ماري جبران ورياض السنباطي، إلى أن وصلت إلى مدينتي.

حققت الأهداف المرجوة من الرحلة، ولكن التكلفة كانت باهظة جداً، وقررت البحث عن وسيلة آخرى للتنقل، لاسيما إني أخطط لرحلات ربما تكون أطول من التي انتهيت منها اليوم.

الساعة الآن التاسعة مساءً، وجسمي المنهمك يكاد يستسلم للتعب.

شيريل كانت ودودة، التقت معها صورة في كاميرتها الشخصية الصغيرة للذكرى، قالت لي أنها ستبعثها إلى بريدي الإلكتروني، وسترجع أي أغراض ربما أكون قد نسيتها في المقاعد الخلفية للمركبة. – انتهى.

Monday, November 12, 2012

مدينة الأشباح في آيوا


وصلت الليلة إلى ولاية آيوا، سأمكث في مدينة "سو" لمدة عشرة أيام، النشرة الجوية للمدينة لا تبشر بالخير على الإطلاق، درجة الحرارة العظمى بلغت الواحدة مئوية، بينما من المتوقع أن تصل درجة الحرارة الصغرى إلى أقل من الصفر مئويا، وهي أجواء لا تتماشى مع تكويني الفيسيولوجي.

ورغم كثرة قدومي إلى الولايات المتحدة منذ الصغر برفقة والداي، إلا أنها المرة الأولى التي أزور إحدى الولايات التي تقع في الإقليم الشمال الغربي، العيش هنا أشبه في الريف، المدينة محاطة بالمزارع القمحية والمصانع المنتجة للإيثانول.

المدينة هادئة جداً لدرجة أنها أشبه بمدينة الأشباح، لن تجد أي شخص ينتظر حافلته لتوصله إلى مبتغاه، ولن تجد أي مطاعم مفتوحة بعد الساعة السابقة، أما سيارات الأجرة فإنها تحت الطلب، ويستغرق وصولها من عشرين إلى ثلاثين دقيقة كحد أدنى.

لم أكن أعلم بهذه المعلومات من قبل، وتعلمتها بالطريقة الصعبة تحت أجواء مناخية قاسية، مقر عملي المؤقت يبعد عن الفندق الذي أقطن فيه أربعة أميال، قد يبدوا الأمر سهلا وقريبا، وقررت ممارسة الرياضة إلى مكتبي، إلا أنها لم تكن فكرة جيدة، وهاجمني الزكام في اليوم التالي.

الليلة قررت الذهاب إلى إحدى محلات البقالة المشهورة هنا، وتبعد عني نحو نصف ميل إلى الشمال لشراء بعض الأغراض الاستهلاكية، استغرقت عملية البحث عن أغذية صحية بحجم معقول أكثر من نصف ساعة.

حجم وكميات الأكل هنا أكبر من الحجم الطبيعي التي نراها في ولايتي نيويورك أو العاصمة واشنطن، وليس غريبا أن أجد معدلات السمنة المفرطة تزيد عن الـ 80 في المائة، ونسبة "الجكر" غير معقول، وجه الحسن مفقود في الولاية.

ووقعت في حرج شديد عندما لم تتم عملية الشراء بسبب بطاقات بنك الكويت الوطني عديمة الفائدة، ولحسن الحظ إني أحتفظ ببعض الأموال احتياطا، لذا تنفست الصعداء، ثم عدت إلى أدراجي، إن عملية الخروج من الفندق أصبحت أشبه بالعذاب.

أتمنى أن أحقق ما أطمح إليه خلال الأيام المقبلة، لاسيما مع ازدياد الضغط تدريجيا مع قرب موعد الرحيل.

انتهى
  اكتوبر 2012

 

Sunday, November 11, 2012

مقهى على شارع الغرباء


” ليس من شيء يثبت شيئا ما في الذاكرة مثل الرغبة في نسيانه".
ميشيل دي مونتين

احتسيت قهوتي الصباحية في مقرنا المعتاد في "جورج تاون"، لكني جلست منفرداً هذه المرة، لست معتاداً على الجلوس هنا منعزلاً، وكل ما استطعت فعله لتفادي الموقف هو إشغال نفسي في الكتابة، أدون كل الأفكار التي استلهما من كوب قهوتي الساخن، لم يكن ذهني في هذه الدرجة من الصفاوة منذ فترة طويلة.

بدأت استوعب القصائد الكثيرة التي نظمها محمود درويش أثناء فترات اغترابه مع كل رشفه من قهوتي، لم أكن استوعب تفاصيل قصائده، إلا أنني منذ دخولي المقهى فإني أكاد أجزم أنه ذاته المقهى على شارع الغرباء الذي جمعنا على طاولته منذ سنوات.

كنا سائحان ضلا بشهما طريقهما في الأسبوع الثاني من ديسمبر إلى هنا، وانتظرنا سيارة الأجرة التي طلبتها من دليل الهاتف الذي زودنا به أحد العاملين في المقهى، بينما لم تبخل السحابات بزخات المطر والريح البارد الذي لم يكن الفتى العربي الآتي من الصحراء القاحلة متعوداً على مثل هذا المناخ القاسي، أوصلتنا سيارة الأجرة إلى فندقي، بينما اتخذت محطة القطار في الشارع المقابل.

دون الدخول في التفاصيل أقولها الآن، إني لم أكن على قيد الحياة اليوم، لم أكن أعلم بخبرتي القليلة كيف بإمكان الزمن والدروب والحماقات قد تؤثر علينا وعلى تكوين مستقبلنا في ثوان معدودات.

سأغادر خلال ساعات قليلة إلى ولاية آيوا، وأجد نفسي متعلقا لأي شيء إيجابي.
 
انتهى
أكتوبر 2012
 
كمقهى صغير على شارع الغرباء



هو الحبُّ ... يفتح أبوابه للجميع.



كمقهى يزيد وينقُصُ وَفْق المُناخ:



إذا هَطَلَ المطرُ ازداد رُوّادُهُ،



وإذا اعتدل الجو قلُّوا وملُّوا



أنا ههنا - يا غربيةُ - في الركن أجلس



ما لون عينيكِ؟ ما اسمكِ؟ كيف



أناديك حين تَمُرِّين بي، وأنا جالس



في انتظاركِ؟



مقهى صغيرٌ هو الحبُّ. أطلب كأسي



نبيذٍ وأشرب نخبي ونخبك. أحمل



قبّعتين وشمسية. إنها تمطر الآن



تمطر أكثر من أي يوم، ولا تدخلين



أقول لنفسي أخيراً: لعل التي كنت



أنتظرُ انتظَرَتْني ... أو انتظَرتْ رجلاً



آخرَ - انتظرتنا ولم تتعرف عليه / عليَّ،



وكانت تقول: أنا ههنا في انتظارك



ما لون عينيكَ؟ أي نبيذْ تحبُّ؟



وما اسمكَ؟ كيف أناديك حين



تَمُر أمامي

محمود درويش.

Friday, October 26, 2012

الفصل الرابع

الخميس، أكتوبر، 25، 2012

لم يسبق لي أن أمضي ليلة العيد في أي بقعة في الكون غير موطني منذ أن أنهيت دراستي الجامعية، واليوم أمضيها في العاصمة الأمريكية واشنطن حيث أقيم فيها لمدة تزيد عن الشهر، أحاول من خلالها إنجاز المهام التي قدمت من أجلها، أعلم إني أهملت مدونتي في الفترة السابقة، وسأحاول العودة إلى نشاطي المعهود لانتفض مجدداً، مثلما انتفضت الشعوب العربية لنيل حريتها، وسأسلك ذلك الطريق إلى استرجاع حريتي.

أعتدت على الاستعانة بما كتبت في دفاتري القديمة، والرجوع إلى الماضي لأنقح بما يصلح وما يعتذر النشر، ولكني سأكف عن ذلك بعدما اقتربت من الهاوية الذكريات التي لا نريد لها الظهور مجدداً.

بدأت في الإيمان بحقيقة ما تعلمته من الفيلسوف الأرعن مشيل دي مونتين " تجاربي الذاتية هي أساس محاولاتي"، وبالتالي سأدون ما يدور في عقلي مباشرة إلى مدونتي، وبهذا لن يكون هناك مجالا لإزالة أي فقرة بعد اليوم، ولنذكر أنفسنا في النهاية إننا كلنا بشر ومعرضون لارتكاب الأخطاء، وما سأسرده خلاصة تجاربي الذاتية على خطى دي مونتي، صادقة لا أهداف من ورائها.

تحياتي.

Thursday, August 30, 2012

الديموقراطية المثالية




" الديموقراطية بالمعني الصحيح هي أن يشارك أكبر عدد ممكن من الشعب في الأمور العامة، وكلما كان نطاق الدائرة أقل كلما قربنا التمثيل من الديمقراطية الصحيحة، بل إذا كنا نستطيع أن نجعل رجل الشارع العادي ذاته يشارك في الأمور العامة نكون قد وصلنا للوضع المثالي ومهمتنا الوصول إلى الوضع الديموقراطي المثالي ما أمكن، والصعوبات العملية الموجودة في الدول الكبيرة غير موجودة في الكويت."
أستاذ القانون الدستوري المرحوم د. عثمان خليل عثمان
مضبطة  لجنة الدستور التابعة للمجلس التأسيسي.

لدي وجهة نظر شخصية في ما يحدث في الكويت أخيراً، وربما ترابط الأمور مع بعضها لبعض زاد الأمور سوءً، ولكن انحراف وتقاعس السلطات الثلاث في البلد عن أداء مهامها بالشكل المطلوب أدى إلى هذه الفوضى التي نعيشها اليوم.
في فنون الإدارة تعلمت في أول الدروس أن الإدارة المركزية تدخل الإدارة العليا والوسطى والدنيا في مشاكل لا تحصى، لاسيما وإن كانت الشركة أو المؤسسة القائمة على هذا النظام تستحوذ على نظام إداري عريض وبنشاطات أكبر، وهذا حال البلد.
لم يعاني الأجداد في الماضي مما نعانيه اليوم من تداخل وزحف إلى الاستيلاء على السلطات من وجهة نظري لكون الأمور ناصعة البياض، كانت الفكرة أولا أن يشارك الشعب في إدارة البلد، وهي التي أنتجت عنه وثيقة 1921، ثم تأسيس المجالس المتفرغة والنظام القضائي ومجلس المعارف المتخصص للتعليم، ويأتي هذا أخيراً ليكون عبر الانتخاب، ثم جاء المجلس البلدي الذي وضع المسودة الأولى للدستور الذي نعرفه اليوم.

اليوم مجلس الوزراء حسب النصوص الدستورية هو المهمين على مصالح البلد العليا، وهو الجهاز المترهل الذي يعاني من فساد ينخر في عظامه حتى أصابته الهشاشة، وأصيب بمرض لا يعرف له علاج، وإن عرف فإن البعض يسعى إلى إخفائه.
أما مجلس الأمة وهو المسؤول عن الرقابة والتشريع استحوذ على صلاحيات البلد كاملة ووضعها في جيبه، وبحكم المهام الجسام التي يواجهها بشكل يومي، أصبح النائب في المجلس الممثل للأمة غير قادر على أداء واجباته، وهنا لأسباب منطقية أولها أن طريقة الناخبين(نحن الشعب) لا تتم بطريقة اختيار الأكفأ، وإنما نلجأ إلى الإطار العشائري الذي نتمي إليه رغم إننا في العام 2012، الناخب يلجأ إلى العائلة والقبيلة والطائفة ليمثله في مجلس همومه وواجباته القيام بالبلد والنهوض بها.
أرى أن المطلوب اليوم أولا أن تسعى السلطتان أن ترجع الصلاحيات إلى الشعب، وذلك استنادا إلى المادة السادسة من الدستور التي تنص على نظام الحكم في الكويت ديمقراطي, السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعا, وتكون ممارسة السيادة علي الوجه المبين بالدستور.
وأعني أنه حان الأوان كما قال استاذ القانون الدستوري المرحوم د. عثمان خليل عثمان أن يصل رجل الشارع العادي ذاته يشارك في الأمور العامة، وأعني المشاركة الفعلية في العملية الديموقراطية.
ما الذي يمنعنا من المطالبة بإنشاء مجالس مستقلة للتعليم والصحة والأمن، وما يمنع أن يتم إنشاء منصب المفتش العام يتم التصويت عليه، وبما أن النائب العام مسؤول وممثل عنا والمجتمع، فإنه من المنطقي أن يتم فتح المجال للتصويت وتمكيننا من الحصول على تلك المناصب لإدارة مجتمعنا؟


ربما الفكرة مثالية جداً وغير قابلة للتطبيق على الكويت اليوم؟ وإنما فكرة قديمة أردت نشرها في المدونة

Saturday, August 18, 2012

نقش أبواب البيوت




أدرجت رحلتي إلى مملكة البحرين في مارسضمن أكثر الرحلات استقريت بها نفسيا، من جراء السفر المتكرر صرت أعرف إن كانتالديار ستروق لي منذ الدقائق الأولى التي أهبط فيها، ربما هي الحاسة السادسة التياقتنيتها جراء العمر، لم تكن هي الزيارة الأولى لي هنا، ولكنها الأولى التي وجدتمتسعا من الوقت للتجول في أرجاء المنامة.
نزلت مدينة الزلاق، وهي المدينة التيتبعد عن العاصمة نحو 40 كيلو مترا، حتى أصبح النزول إلى المنامة أمراً صعبا، مايميز المكان هو قربه اللصيق إلى مقر إقامة ملك البحرين في قصر الصخير، سنحت ليالفرصة لإلقاء التحية إلى عاهل البحريني ونجله في إحدى المناسبات التي قدمت منأجلها، ومن ثم غادرت لاستكمال ما أتيت لإنجازه.
منذ ركوبي سيارة الأجرة واتصالاتي ببعضالأصدقاء وجدت نفسها الأجواء التي لمسناها بعد أن من الله علينا بنعمة التحرير منبراثن النظام العراقي الغاشم، الجميع متحفظ حتى إنني لم استطع أن أفتح باب الحواردون أن يوجه إلي مفتاحه وهو إن كنت أنتمي إلى الطائفة السنية أم الشيعية، وبعدهايتم اتخاذ أي المسلكين للحديث.
أمر محزن كيف للطائفية أن تقتل وتفرقبين الأخوة، وكلما تعمقت في الحديث عن المناخ البحريني الساخن أزداد حزنا، وبدأتأعد الأيام التي ربما تنتقل هذه العدوى لتصبح أكثر عدوانية في الكويت، وستنتقلإلينا لا محالة إن استمرينا في هذا النهج والمنوال.
;">

وبعيداً عن أجواء النكد، قررت زيارةالأحياء التراثية، و وثقت عبر زيارتي المتكررة خلال فترة إقامتي التي امتدتلأسبوعين مع الأبواب، وأدركت حينها مدى تقاربنا نحن البشر معها، ببساطة إن لكل بابمثلنا وراءه قصة غائرة فيها، زخرفتها الرقيقة تحكي حكايتها، وزينتها وصيغتها منالذهب والفضة.
أصبحت أتغنى خلال زياراتي بأغنية خالدالشيخ، ومن يعرفني يدرك مدى حبي له، وهذه المرة كانت أغنية "لكل قصة حب".

لكل قصة حب وعيونك في بالي طيف وارمال وسراب ناظري ضي الحوانيت القديمه
ونقش أبواب البيوت كلها شعر .. ومواعيد قديمه واعلى أصوات السكوت والغريب
.. إن ما للعمر قيمه لو نسيت اني احب .. او نسيتي اني حبيبك..

بدر بن عبدالمحسن

 
مارس - 2012

Tuesday, August 14, 2012

معضلة مجلس الأمة 2009 وحكم الدستورية

لفت نظري كثيراً ما يثار أخيراً على الساحة السياسية بشأن إحالة مجلس الوزراء قانون الانتخاب في الشق بالدوائر الانتخابية إلى المحكمة الدستورية، وحدد القانون أمر الإحالة إما لمجلس الوزراء منفردا أو بقرار صادر من مجلس الأمة بعد التصويت عليه، ويشمل في التصويت أعضاء المجلس من الحكومة والنواب.
وهنا علينا أن نعي ضرورة احترام الإجراءات القانونية والدستورية وإن اختلفنا في الرأي، توقيت الحكومة في الإحالة والغرض من إطالة عمر مجلس الأمة 2009 العائد في المحكمة الدستورية أمر سهل تفسيره، ولكن قرارات السلطة حتى الآن دستورية ولا يحق لنا – أنا على الأقل- الاعتراض عليه مع التشديد على أن لا نشكك في أحكام القضاء، وإن كنا بحاجة ماسة إلى قانون يجيز مخاصمة القضاء في أسرع وقت ممكن مع استقلاليته ماليا وإداريا ليتم فصل السلطة القضائية كليا، حتى تطمئن نفوسنا.
أما في ما يتعلق في الجزء الأكثر جدلا ونقاشا حاليا ينصب نحو حكم المحكمة الدستورية بإبطال مجلس الأمة 2012 بسبب أخطاء إجرائية صحيحة، وتعليقي الشخصي على هذا الحكم هو أنه جاء لمصلحة المواطنين، لاسيما أنه نظر مراسيم أميرية قاضية بحل مجلس الأمة وبطلان الدعوة للانتخابات في آن واحد، المسألة ليست الأولى في بطلان مراسيم أميرية، ولكنها الأولى في هذا النوع.
المقارنة ببطلان مجلس 2012 ومقارنته مع ما جاء في عدم نظر المحكمة الدستورية في حل مجلس 1985 غير منصف على الإطلاق ولأسباب منطقية أشرحها في التالي، أن صحيفة الطعن في 1985 نصت مباشرة على الطعن في مرسوم الحل، أما في مجلس 2012 تم الطعن على مرسومي الحل والدعوة إلى الانتخابات، وهنا يأتي الفرق، ولو أتى الطعن بالحل فقط لرفضت المحكمة النظر فيها مجدداً.
أتفهم امتعاض الكثير من توجه الحكومة للطعن لكون قانون الانتخاب معرض للطعن لعدم عدالته، وهنا تقع الحكومة بحرج شديد، فإن صدر حكم "الدستورية" بعدم دستورية الدوائر الخمس، فإن الدوائر الـ25 معرضة للطعن ذاته لكونه غير عادل ويعاني من المثالب ذاتها، ما الحل؟
لا أؤيد شخصيا تغيير الدوائر الانتخابية، ولكني أرى الحل الوسط هو العودة إلى الأصل، بحيث تعود الدوائر كما كانت في المجلس التأسيسي عبر العشر دوائر،قيتم من خلالهما تعديل قانون الانتخاب، بشرط أن تعتكف الحكومة من اليوم لإعداد القانون بشكل جدي وعادل، وبإمكانها إن أرادت تزودا أن تحل المجلس والدعوة لانتخابات جديدة بعدها إن أرادت، أو استمرار المجلس ذاته.
أنا لست من مؤيدي رئيس مجلس الوزراء الحالي سمو الشيخ جابر المبارك ولا سلفه، وكنت أول من انتقدته منذ توليه رئاسة الوزراء وبإمكانكم العودة لموضوع العهد الجديد الذي نشرته في السابع من ديسمبر 2011 بعد يوم واحد من حل مجلس الأمة 2009.

ما المقصود بالطعن في مرسوم الدعوة للانتخابات؟ إن المحكمة الدستورية ببساطة ترى أن الطعن في نتائج انتخابات مجلس الأمة 2012 هي نتيجة للدعوة للانتخابات، وإن كانت الإجراءت التي تمت إلي الدعوة خاطئة، فهذا يعني بطلان الانتخابات بأكملها، وهنا موقع الخلل، فإن بطلان الدعوة الانتخابات أبطل بطريقة غير مباشرة مرسوم الحل، لأن المرسومين صادرين من حكومة غير دستورية وغير مكتملة الأركان، بحيث تم إصدار المرسومين من قبل رئيس مجلس الوزراء المكلف والذي لم يشكل حكومته بطريقة دستورية، وإنما أدى اليمين الدستورية بشكل منفرد.
وكان من حسن الحظ أن رئيس مجلس الوزراء السابق سمو الشيخ ناصر المحمد تقدم باستقالته بشكل منفردا، ما أدى إلى استقالة مجلس الوزراء بأكمله جراء هذه الاستقالة والاستمرار في تصريف العاجل من الأمور، ولو كان المحمد تقدم بمرسوم حل مجلس الأمة وفق المادة 107 من الدستور فإن المحكمة الدستورية مضطرة إلى إرجاعه مجددا كرئيس لمجلس الوزراء، وهذه مسألة تم تداولها على نطاق ضيق بين عدد من القضاء ومن أساتذة القانون الدستوري.
المسألة الأخيرة التي أود الخوض فيها، هو أن الحكم ذاته السالف الذكر ورد صراحة باسترجاع مجلس الأمة 2009 سلطتة التشريعية، كيف يسترد مجلس الأمة سلطته التشريعية، والمقصود بذلك استئناف مجلس الأمة انعقاده ويأتي ذلك من خلال الدعوة لجلسة عادية علنية للنظر في جدول الأعمال وهذا واضح وجلي.
من وجهة نظري الشخصية، أن قسم الحكومة أمام المجلس واجبه للتقدم بمرسوم حله، وذلك يأتي صراحة في المادتين 80 و91، وهنا أود التوضيح أن الوزراء ملزمون بالقسم أمام سمو أمير البلاد لتفعيل عضويتهم التنفيذية في إدارة الوزارة وعضويتهم في مجلس الوزراء، أما المادة 91 فهي لتفعيل عضويتهم في مجلس الأمة، وفي حالة عدم تفعيلها يأتي السؤال كيف لحكومة لم تفعل عضويتها في مجلس الأمة أن تقدم مرسوم لحله؟ وهذا ما يعرض كل ما تفعله للطعن مجددا أمام المحكمة الدستورية، وهي حجج مقنعة جداً من وجهة نظري.

إن اجتماعات مكتب المجلس وغيرها من الأمور الإدارية فهي أمور إجرائية  تنص عليها اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، ولا يعني ذلك استرداد سلطتة التشريعية، والاسترداد يكون عبر انعقاد المجلس، ويكون خيار إقرار القوانين أو فض مجلس الأمة بعد أداء الحكومة الجديدة اليمين الدستورية أمامه.
إن عودة رئيس مجلس الأمة هي تنفيذا لحكم المحكمة لكونه رئيسا منتخبا، وهذا يأتي تنفيذا جزئيا للحكم ولا يعني ذلك بالضرورة استرجاع المجلس شرعيته.





Saturday, June 16, 2012

وقفات



خلال الشهور الماضية استمعت لشهادات العديد من الشخصيات البارزة في مشروع صغير أنوي إعداده في القريب العاجل بإذن الله، ومع كل لقاء انتهي بعبارات تصعقني، ليس من باب الاستغراب، ولكن مدى صدق ما سمعته، وهي من الجوانب التي نادرا ما يقولها الأشخاص عن أنفسهم، لم أوجه الأسئلة ليتم الإجابة عليها، وإنما هي اعترافات خرجت بعفوية من ضمن بنود اللقاء.

أولى اللقاءات كانت مع أحد السياسيين المخضرمين، الذي يقول أن والده كان يحرص دائما على توجيه النصح والإرشاد في ما يتعلق في أمور الحياتية والمهنية، ومن الأشياء التي يحرص على تكريسها فيه أن لا يستعجل في اتخاذ القرارات المهمة التي تواجهه، وحذره  " إن استعجلت في الأمور فإن الله سيحرمك منها".

لم يستمع الأبن لنصيحة والده وفي كل مرة استعجل فيها قراراته لم يكتب الله له الفلاح في أمره، إلى أن استمع في المذياع بعد إحدى تلك الحوادث قول علي بن ابي طالب رضي الله عنه "يا ابن ادم لا تفرح بالغنى،ولا تنقط بالفقر،ولا تحزن بالبلاء،ولا تفرح بالرخاء،فان الذهب يجرب بالنار،وان العبد الصالح يجرب بالنار،وما تريد الا بترك ما تشتهي،ولن تبلح ما تؤمل الا بالصبر على ما تكره،وابذل جهدك لرعايه ما افترض عليك،وارضى بما ارادك الله به".

إن السياسي المخضرم لم يتخذ أي قرارات في استعجال منذ استماعه إلى هذا المذياع في مساء ذلك اليوم، ويرجع تحفظه في اتخاذ أي قرارات قبل الاستماع إلى أي موقف سياسي إلى هذه الأشياء، ويعترف قائلا " أخشى أن أفرح، وأخاف من الاستعجال في الأمور حتى لا يحرمني الله منها".

الشخصية الثانية كانت من الشخصيات ذات البعد الفلسفي في الحياة، عاشق للكتابة ومؤرخ جيد، يكتب مذكراته الشخصية بشكل يومي منذ العام 1981، يحتفظ بدفاتره في مخزن منزله بعد اعتزاله الحياة العامة.
قال لي في منتصف اللقاء "لا أعرف الطريق الصحيح في الحياة، ولكني أعرف الطرق الخاطئة، أعرف تماما أن هذا الدرب لن يقودني إلى ما أريده، لذا أتجنبه في كل مرة، ولم أدخل نفسي في أي مطبة منذ بدأت الحياة العامة واعتزلت بإرادتي".
ويضيف "ليس للحياة طرقا صحيحة وأخرى خاطئة، إن الحياة عبارة عن دروب مختلفة لا يمكنك أن تتلقى بالآخر فيها، لذا باب المقارنة غير ذات جدوى، ومن يعتمد على ذلك سيقع حتما في متاعب لا تحصى، لذا أحرص على أن تختار الدرب الذي تراه صحيحا، وأن تتعامل مع كل معوق على حدى دون أن تلتف إلى الآخرين".

المحصلة من اللقاءات أنها حملت معاني صادقة وإن كانت خارج إطار موضوعات البحث، ويبقى التساؤل هل الاستعجال يأتي بالحرمان، وهل هناك طرق صحيحة وأخرى خاطئة في الحياة؟