لم يعد
المشهد السياسي منذ كشف "القبس" في العشرين من أغسطس 2011 عن
"الإيداعات المليونية" لعدد من النواب مجلس الأمة 2009 التي أربكت
البنوك كما كان من قبل، فاليوم جميع القواعد السياسية تغيرت، وارتفع سلم مستوى
لاعبيها عمّا كان في السابق.
ولّدت
"الإيداعات المليونية" غضب شعبي عريض غير مسبوق، أسفرت نتائجه خلال ستين
يوما الاستقالة الأولى في الحياة السياسية الكويتية لرئيس مجلس الوزراء السابق،
وتعيين نائبه الأول خلفا له، كما أدى سرعان الأحداث السياسية من اقتحام عدد من
المواطنين لمجلس الأمة في حادثة تاريخية إلى حل مجلس 2009، والدعوة لانتخابات أخرى
نالت المعارضة فيها أغلبية مجلس فبراير 2012 قبل أن تبطله حكم المحكمة الدستورية
لأخطاء إجرائية.
لا يختلف
إثنان على أن قضية "الإيداعات المليونية" هي من القضايا السياسية
العادلة، لكنها أنها غُيبت وسط العراك السياسي المحموم بين مناصريها من المعارضة
والسلطة، إلا ما لا يمكن القبول أبداً أن يترك مصير هذه القضية –رغم حفظ النيابة
العامة للملف- في يد مجلس الصوت الواحد.
ورغم ما كان،
فإنه أصبح من غير المقبول أن تترك القضية في مجلس أمة قد وصل إليه عدد من المتهمين
في القضية ذاتها، وآخرين يحملون مواقفاً سياسياً مسبقة لها وصلت إلى حد التشكيك في
حقيقة تلك الإيداعات، واستنتجوا مسبقا أن ما تم إثارته هي مجرد لعبة سياسية ملفقة
يقودها أحد أطراف النظام، فكيف يترك الملف بهذا الحجم في يد هؤلاء؟
إنّ لجنة
التحقيق في الإيداعات المليونية في مجلس الأمة 2012 المبطل تمكنت من خلال ثمانية اجتماعات
موسعة بلغ ساعات عملها 25 ساعة و50 دقيقة خلال الفترة من 15 فبراير 2012 إلى 26
يونيو 2012، استقبلت خلال هذا الاجتماعات أكثر من 25 شاهداً وموظفاً حكومياً، إلى
جانب ممثلي قطاع البنوك، قسموا على قول الحقيقة ولا شيء غيره.
لم يكن أهداف
تشكيل اللجنة الوصول إلى حسابات المتهمين في القضية، وإنما كشف قصور الأجهزة
الحكومية يتصدرها بنك الكويت المركزي، ووزارة المالية، إضافة إلى الجهات التابعة
لهما، لكون الوصول إلى الحقيقة الغائبة عن الجميع، بأن المراكز المالية للمتهمين
لا يمكن الوصول إليها سوى في حالتين الأمر القضائي والتخويل الشخصي، وهو ما لم يحدث.
وكانت هناك
فرصة مواتية لتنفيذ ذلك، عندما تقدمت كتلة العمل الوطني باقتراحها بندب النائبان
السابقان عادل الصرعاوي ود.حسن جوهر إلى بنك الكويت المركزي للإطلاع على خلفيات
القضية، إلا أن الاقتراح أُسقط برفض حكومي نيابي، وانسحاب كتلة المعارضة حينئذ.
واليوم يقع
على عاتقنا جميعاً الانتفاض لنصرة قضية الإيداعات المليونية، أن نجعلها الأولى على
سلم أولوياتنا، وأن نطالب بإحالة الملف من دون عبث إلى ديوان المحاسبة للتحقيق في
الإجراءات الإدارية والمالية لبنك الكويت المركزي ولوزارة المالية والجهات التابعة
لها، والتأكد من مدى التزام تلك الجهات بتنفيذ وتطبيق قانون غسل الأموال، إضافة
إلى إمداد الديوان بالأوراق والمستندات التي توصلت إليها لجنة التحقيق.
ولا يجب
أبداً النسيان المطالبة بإحالة الأوراق والمستندات التي بحوزة لجنة التحقيق
والأمانة العامة لمجلس الأمة بشأن قضية الإيداعات إلى النيابة العامة للتحقيق
فيها، لربما تواجدت وتوصلت اللجنة إلى معلومات حساسة وجديدة قد تفتح الملف من
جديد.
No comments:
Post a Comment