Wednesday, November 21, 2012

البحث عن وسيلة للتنقل



نوفمبر 2012

ذهبت اليوم إلى مدينة فورت دوج، وحسب الخريطة الإلكتروني –التي لا علاقة لي لها –أنها تبعد نحو 125 ميلا إلى الجانب الغربي من حيث أقيم حاليا، استغرقت الرحلة ذهابا نحو ساعتين ونصف الساعة، ومثلها في الرجوع إلى مدينتي الصغيرة شرقي ولاية آيوا الباردة.

التنقل بين المدن في آيوا صعب جداً، وبعد بحث دقيق، تبين أن الولاية لا تمتلك سكك حديدة لاستخدام الأفراد، وإنما هي مخصصة للاستخدام التجاري البحث، فيما تمتلك الولاية شركتين تجاريتين مخصصتين للنقل الجماعي، وما أثار سخطي واستفزازي الشديدين أنه رغم أن المسافة بين المدينتين، والتي لا تستغرق سوى ساعتين، فإن الرحلة عبر الحافلة ستستغرق 19 ساعة، لكون الحافلة ستتوقف في كل نقطة داخل مدينتي والمقاطعات الصغيرة إلى فورت دودج.

وبدأت أفكر بخطط بديلة عن تلك التي باءت بالفشل، واستهلاك 20 دولار في التنقل من محطة الحافلات إلى مكان سكني في وسط المدنية، غامرت وأجريت اتصالا على مكتب أحد شركات الأجرة، وطلبت توفير سيارة في اليوم التالي، وبلغت التكلفة ذهابا وإيابا مع أربعة ساعات انتظار نحو ستمئة دولار، وافقت على مضض، لكوني مضطر إلى الذهاب إلى فورت دوج، وبدأت أتذمر لأني تركت إجازتي الدولية في حجرتي في الكويت.

البحث عن وسيلة للتنقل من مدينة لأخرى في الولاية أشبه بالبحث عن الذهب في الولايات الغربية بمنتصف القرن الرابع عشر، أجد مناقشة هذا الأمر مع عدد كبير من الأمريكيين في هذا الأمر سخيف جداً، ونحن في العام 2012.

 

نزلت إلى الشارع عند الساعة الخامسة فجراً في انتظار سيارة الأجرة لرحلة الأنس إلى فورت دودج، درجة الحرارة ممتازة، وبعد اطلاعي على برنامج الطقس في هاتفي تشير إلى -3 درجة سيليزية، لدرجة إني ارتديت نصف الحقيبة التي حملتها معي، فلست معتاد على هذا الطقس الجاف المجحف بالبرودة، حتى وصلت مركبتي.

امرأة عجوز في العقد السادس من عمرها، بكل لطف القت التحية، ثم سألت "قرمت؟"، وكانت إجابتي "نعم"، ثم دخلت إلى المركبة بسلام، العجوز لطيفة تدعى شيريل، وهي سيدة متطورة تكنولوجيا، فتحت حاسوبها المتنقل ثم جهاز الملاحة، وبدوري زودتها بالعنوان المراد الذهاب إليه.

البداية لم تكن موفقة من الجانبين، لم نكن نثق ببعضنا، فهي طلبت أن أدفع قيمة المشوار مقدما، وأنا طلبت أن أدفع النصف، أي قيمة مشوار الذهاب فقط، مع احتفاظي بالمبلغ المتبقي لحين الرجوع، وهنا توصلنا إلى الاتفاق يرضي الطرفين، وطلبت لاحقا فاتورتين منفصلتين لأسباب إدارية خاصة.

اتضح خلال رحلة "الضيم" أن شيريل كأي امرأة مسنة –وهي قاعدة عامة -تحب "الهذرة" بدرجة خيالية، حتى أنني فكرت إنها ربما تم إرضاعها بسن "بشتختة"، أو ربما قضت أيام طفولتها إلى جانب مذياع مفتوح حتى أثناء نومها، ولكنها كانت تملك قلب طيب جداً، حاولت الإجابة عن استفساراتي عن طبيعية الحياة الريفية في آيوا، وعن آخر أسعار القمح في الولاية، وقيمة استهلاكه، إضافة إلى أثر صناعة الإيثانول المركز على قيمة القمح وتأثيره المباشر على المواطنين.

وبعد مرور ساعة ونصف الساعة طلبت شيريل أن تفك "زنأتها" في إحدى محطات البنزين، وهذا شيء كان من المفترض أن أتوقعه، وما يعني إننا تأخرنا نحو ربع ساعة على الطريق، وكانت الفرصة جميلة لاستطلاع آراء المتواجدين في المحطة عن انتخابات الرئاسة الأمريكية، ولكني "هونت" بعد أن رأيت نظرات المتواجدين في المحطة، وكأني أحمل قنبلة يدوية، اشتريت قنينة مياه وبعض السكاكر، دفعتها "بالعافية"، ثم رجعت إلى المركبة.

 

 الطريق إلى فورت دوج طويل مثير للاهتمام، الطريق I-20-East، مقسم إلى ثلاثة أقسام، الأول طريق حضري بسيط، بعدد لا يستهان به من الحفر، وهي منطقة تذكرني كثيراً في السالمية – الجهة المقابلة لنادي السالمية – أو حولي، أما الجزء الثاني، فهو متوسط الطول، يحيط الطريق مزارع القمح ومصانع الإيثانول، إضافة إلى عدد كبير من الطواحين الهوائية، والتي تزود تلك المزارع بالطاقة الكهرباء.

وعلى حسب معلومات النسرة شيريل، فإن الحكومة الأمريكية تقدم الدعم لمن يستخدم هذه التكنولوجيا الأوروبية، لأنها صديقة للبيئة، وتوفر بشكل كبير للطاقة الكهربائية، وهي طريقة ذكية لتحفيز أصحاب تلك المزارع، ويقدر الدعم السنوي بنحو 70 ألف دولار، إضافة إلى تقديم القروض لمن يريد بناء هذه الطواحين بنسبة فوائد منخفضة تكاد تكون معدومة.

في الشق الثالث من الطريق فإننا ندخل إلى مدن عدة صغيرة، ينخفض السرعة في الأقسام الثلاثة من 65 إلى 55 ثم 45 عند اقتراب المدينة، ثم 35 إلى 25 ميلاً في الساعة داخل أحياء المدن، ثم العودة إلى 65 ميلا للطرق ذات الحارتين و55 ميلا للطرق ذات الحارة الواحدة ذهابا وإيابا.

وصلنا بحمد الله والمنة إلى مدينة فوردت دوج عند الساعة التاسعة والنصف، وذلك بسبب توقف شيرل المتكرر، وبما أن الوقف كان مبكراً على موعدي، فإنها أصرت على إقامة وليمة إفطار في "الداينر" القريب من مقر موعدي، طبق شهي من البيض المخفوق والقهوة الأمريكية السوداء الداكنة.

بدأت شيريل بالحديث طبعاً عن نفسها، وصدمت عندما تبين أنها صاحبة شركة الأجرة، وهي أم لثلاثة أولاد وبنت، ولديها ثمانية من الأحفاد حتى الآن، زوجها متقاعد وعسكري سابق، بينما ابنها هو المسؤول عن الشركة، أما هي فهي تعشق القيادة والسفر لمسافات طويلة، وتقول أنها قبل ثلاثة أيام كانت في رحلة إلى شمال الولاية في رحلة امتدت لأربع ساعات متواصلة، كانت مهمتها مطاردة القطار الذي يحمل مواد إشعاعية مهمة، وكان رجال إحدى وكالات الأمنية في الولايات المتحدة أستأجر خدماتها في متابعة القطار، ومعها اثنان من المهندسين لمتابعة القطار، وهم فنيين مهمتهم تصليح القطار في حالة حدوث أي طارئ.

حضرت لقائي الخاص، وامتد لنحو أربع ساعات، وبعد الانتهاء بدأت أقلق على شيريل، ليس لارتباط عاطفي، ولكني خشيت أن تكون قد قررت الرحيل وتركي وحيداً هنا، فالمدينة "تييب القامت"، وبعد اتصالين اثنين قررت الرد علي، وتبين أنها كانت تعمل على حاسوبها الشخصي، ثم وصلت بعد ربع ساعة من الانتظار.

ودفعت "المقسوم" أولا كما الاتفاق، كانت رحلة العودة مملة ومرهقة، حضنت حقيبتي التي أحملها على كتفي ثم غفوت لساعة تقريبا أي تقريبا نصف الطريق، وثم بدأت أقلب الصور التي التقتها خلال لقائي من خلال كاميرتي، والاستمتاع بصوت ماري جبران ورياض السنباطي، إلى أن وصلت إلى مدينتي.

حققت الأهداف المرجوة من الرحلة، ولكن التكلفة كانت باهظة جداً، وقررت البحث عن وسيلة آخرى للتنقل، لاسيما إني أخطط لرحلات ربما تكون أطول من التي انتهيت منها اليوم.

الساعة الآن التاسعة مساءً، وجسمي المنهمك يكاد يستسلم للتعب.

شيريل كانت ودودة، التقت معها صورة في كاميرتها الشخصية الصغيرة للذكرى، قالت لي أنها ستبعثها إلى بريدي الإلكتروني، وسترجع أي أغراض ربما أكون قد نسيتها في المقاعد الخلفية للمركبة. – انتهى.

1 comment:

  1. عجيب

    ودي اصفق لك على الوصف
    انت لازم تكتب سيرتك الذاتية
    او سيرة اي احد
    اعتقد راح تبدع بهالمجال

    ReplyDelete