يصور
البعض خلال انتخابات مجلس الأمة أنه بمجرد إقرار حزمة قوانين مكافحة الفساد أو ما
يسمى بقانون هيئة النزاهة والشفافية، والذي يتضمن قوانين كشف الذمة المالية،حماية
المبلغ،تضارب المصالح،حق التوصل إلى المعلومة، فإن أزمة الفساد التي تعيشها البلاد
ستنتهي، وسنبدأ صفحة جديدة ناصعة البياض، وبدايتها نظيفة.
إن
من يسّوق لهذه البرامج علينا أن لا نوصله إلى مجلس الأمة، لأنه في الحقيقية فإنه
يبيع الأوهام على الناخبين، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تحل هذه القضايا في
إقرار هذه القوانين، ولأسباب متعددة، أولها إنك لا يمكنك أن تلزم نائب مجلس
الأمة مبدئيا من كشف ذمته المالية، لأنه في طبيعة الحال إنه يتطلب تعديل قانون
الانتخاب، مبدئيا، وقوانين أخرى بشكل متتابع، وهذا ما لم يخاض فيه.
أما
في ما يتعلق في إنشاء هيئة لمكافحة الفساد يثير الكثير من العلامات الاستفهام بشأن
آلية عمل هذه الهيئة، وهل يحق لها التحقيق، لاسيما إن جهات التحقيق في الدولة
مسنودة إلى الجهات الأمنية والقضائية، وهنا يدخلنا في مسألة تداخل السلطات، وشبهة
دستورية مع نص المادة 50 من الدستور، والتي تنص على فصل السلطات.
وإن
كان المخرج أن يرأس أو يعين قضاة لترؤس هذه الهيئة، نضع تساؤلات عدة، من الذين
سيتم اختيارتهم، وما الآليات، وهل سيختارهم مجلس القضاء الأعلى؟، وهنا تكمن مشكلة
ضخمة جداً، وهو اعتراض مجلس القضاء على مسألة تفريغ القضاة الكويتيين للعمل في هذه
الهيئات، لاسيما أن هذا يعني خسارة الجسم القضائي لعدد من الكويتيين وهم في الأصل
لا يتعدون 257 قاضيا، وهذا العدد رسمي لما أصدره المجلس في إجابته إلى مسألة ضم العاملين في الإدارة العامة للتحقيقات إلى النيابة العامة في 2010، وهنا ينبغي أن نستخرج من يتم الاستعانة بهم في الجهات
الحكومية وهم كثر.
وفي
جهة مقابلة، إن النص الدستوري للمادة 34 يقول أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وهو
مبدأ كوني، ولكن حسب القانون، فإن النائب متهم حتى يثبت عكس ذلك، وهو ظلم.
ولكن
المصيبة تكمن في أنه إذا تم إقرار القانون كيف سيتم تطبيقه؟ هل سيتم الكشف عن
الذمم المالية عن النواب منذ دخولهم مجلس الأمة، وإن اتفقنا في ذلك، فكيف سنحاسب
أو نقاضي أو نحكم على نائب استلم أموالا في مجالس سابقة، وكيف يتم معاقبته على فعل
لم يكن محرما أو مجرما في السابق؟
وهنا
أطرح مثال سهل جداً، إن لم يحرم الخمر الليلة الماضية، وطرحت الحكومة مرسوم تدابير
وفق المادة 71 من الدستور بتحريم الخمر، فهل بإمكان الحكومة إلقاء القبض على أي
مواطن عاقرها الليلة الماضية، فكيف يتم معاقبة شخص على فعل لم يكن مجرما في
السابق؟
وفي
جهة أخرى، وهذه قضية مهمة جداً، كيف بإمكاننا أن ندقق في حسابات النواب أو غيرهم
من تقلد المناصب القيادية في الدولة من دون أن تكون هناك مسطرة واضحة في معرفة
الحسابات المتضخمة، وإن كانت طبيعية من تراكم رواتب أو استثمارات؟
أنه
بطبيعة الحال لا يمكن معرفة تضخم الحسابات بطريقة مريبة شكليا دون أن يكون هناك
نظام ضريبي يحدد نسبة التضخم، وإن كانت طبيعية أم لا، وهنا ينبغي التفريق بين قضية
"الإيداعات" المليونية وأنا أتحدث عن قضية لا تتعلق بإيداعات.
إن
قانون الجزاء نص صراحة في مواده على عقوبات للراشي والمرتشي، ووضع عقوبات كذلك
لتضخم الحسابات، والحل الأنسب هو إنشاء هيئة تدقيق مستقلة للكسب غير المشروع، ولكن
نحتاج إلى دراسة قانونية وحلول أخرى سليمة، وليست مماثلة لمن يدعي الإصلاح، أحذروهم
فهم يبيعون الوهم علينا.
No comments:
Post a Comment