لم تكن صحيفة "القبس" مخطئة قبل ثلاثة سنوات و نيف، عندما طلبت في افتتاحيتها من " عقلاء " المجلس – المقصود هم أعضاء المجلس ذو العقول النيرة- إيقاف العبث السياسي التي تعيشه البلاد والحياة البرلمانية.
في جلسة خاصة للمجلس الثلاثاء الماضي، والتي خصصت لمناقشة الاعتداء الصهيوني على "قافلة الحرية" المحملة بالأطنان من المساعدات الإغاثية والإنسانية لقطاع غزة المحاصر، أصدر المجلس قرارات عديدة أهمها توصية بانسحاب الكويت من المبادرة العربية للسلام.
الحديث عن المبادرة العربية للسلام تدخلنا في عدة نقاط مهمة، لابد من توضيحها، أولا أن السياسات الخارجية للدولة هي من صميم اختصاصات السلطة التنفيذية، كما يتدخل فيها الرغبات السامية في توجيه وترشيد العلاقات الرسمية بين الكويت وغيرها من الدول الشقيقة و الصديقة، لذا تبقى تلك القرارات سيادية، لا يجوز من التدخل فيها.
ولكن لا ينحسب توجيه المشورة أو النصيحة في هذا الجانب، لأنه مفتوح في أي وقت، أما ثانيا، فإن انسحاب الكويت من المبادرة سيدخلها في تأويلات سياسية خارجية، منها دعم الكويت للعمليات الإرهابية أو انتهاج وتحفيز العنف لحل القضية الفلسطينية، وهي ترويج لسياسة خارجية سوداء خاطئة، ولا يمكن للكويت بالعقل او بالمنطق أن تدخل في هذا النزاع،لأنها لا تمتلك القوة و لرغبة السياسية على الصعيد الدولي، ولم تكن في الفترة الأخيرة في المفاوضات العربية - الإسرائيلية ولا تملتك حتى أو الطاقة العسكرية لهجوم، فهي لا زالت في نطاق الدول النامية المتخلفة.
في الجلسة ذاتها أعلن رئيس المجلس جاسم الخرافي أن اللجنة التشريعية و القانونية البرلمانية ستقدم في جلسة الثلاثاء المقبلة (بعد غد) قانون يجرم فيه الاتصال بإسرائيل، ويتبادر إلى الذهن كيف بإمكاننا الاتصال بالكيان الصهيوني، ونحن لدينا قانون يمنع التطبيع مع إسرائيل، كما أننا في بقعة جغرافية بعيدة كل البعد عن الكيان، فكيف سنتصل بهم؟، فضلا عن أننا في الكويت لم تنحتضن يوما أي سفارات للكيان أو مكاتب تجارية تابعة لها، فكيف سيتم الاتصال أو التعامل معهم؟
الحديث عن القانون سيسجل للكويت مواقف و سمعة سيئة على الصعيد الدولي، فإن التجريم بالاتصال أولا أو غيرها من التجريم، سيتخذ من باب نشر مفاهيم و مبادئ الكراهية بشكل علني على السامية، ولا أحتاج بأن أذكر أن المجتمع الدولي على سبيل المثال يتفق بصدق وقوع " الهولوكوست "، وفي فرنسا يغرم كل من لا يؤمن أو يصرح بعدم وقوعها، السؤال ما سيحكم علينا كدولة؟
ما أحب أن أشيد به هو النائب " العقلاني " - في الجلسة الثلاثاء فقط- خلف دميثير، والذي عارض، وأوضح عدة نقاط، منها عدم أحقية مجلس الأمة التدخل في مثل هذه القرارات، وهنا أحب أن أشجع الجميع في الرجوع إلى مضبطة تلك الجلسة، و الاتحتفاظ بها، لأنها ستوضح بشكل كبير مستوى عقلية النواب وحصافتهم الساسية.
الانتقاد يوجه لأعضاء اللجنة الخارجية البرلمانية ورئيسها النائب مرزوق الغانم، الذي كان عليه أن يقف معارضا لقرار المجلس الخاطئ، ولو كان النائب السابق محمد الصقر موجودا، لم نكن لنرى لجنة شؤون الخارجية بهذه الفوضى، أو في عدم الانضباطية، والتخبط بدأ منذ تقديم تقرير الحالة بين الكويت والعراق، و لولا وقوف النائب أحمد السعدون لإياضح أحقية المجلس، وعدم دستورية البحث أو حتى تسليم تقرير اللجنة، و قرارات مجلس الأمن لكان خطأ فادحا، وتقع مسألة الإنسحاب من المبادرة يقع في نفس الخانة.
إن عملية الانسحاب من المبادرة ترتبط بعدة أمور، أولا أن الانسحاب سيؤثر في علاقة الكويت في الدول، منها علاقتنا المتوترة مع المملكة العربية السعودية لعدة أسباب ليست محور الحديث، وعلاقتنا أيضا مع السلطة الفلسطينية القائمة برئاسة أبو مازن محمود عباس، وسؤال المليون هو: كيف تنسحب من مبادرة جمعت العرب في ٢٠٠٢، والكويت التي قادت المصالحة العربية، وأكدت في قمتها أهمية اللجوء إلى السلام و حل للسلطة الفلسطينية سياسيا؟
الخطأ لا يتحمله المجلس لوحده، وإنما الحكومة التي بينت عن سذاجه وزيري الدولة لشؤون مجلس الوزراء الذي تلا البيان الحكومي، و وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة الذي لم يصرح بأي شي، وتخاذل في الموافقة على التوصيات جميعها! كان من الأجدر عدم الموافقة في الجلسة و إيضاح الأسباب، ورغم من مديح حركة حماس، و قادة حزب الله في لبنان، لكنه لم يرافقه أي تصريح رسمي من الحكومة الكويتية، وهنا يا سادة يبين لنا أنها وقعت في خطأ.
ملاحظة أخيرة:
الشعب الكويتي لم يكن يوما مهتما في القضايا المتعلقة في الشأن الفلسطيني، و يحمل البعض الكثير من الكراهية إليه بسبب تواطئه مع النظام العراقي البائد، و بما إني أعد نفسي من القوميين العرب في بعض الأحيان، و اهتمامي بالقضايا الدولية أكثر من المحلية، فإن المهتمين من الكويتيين لا يتعدون أصابع اليد الواحدة، و الدليل على ذلك فإن الاهتمام بالشأن الفلسطيني توليه السلطة و لجنة مشتركة بين جمعية الخريجيين و الثقافية النسائية، وهي اللجنة التي تلتفت إلى قضايا المتعلقة بالتعليم و الجوانب الإنسانية، ولا تهتم بالشأن السياسي، لذا أود أن أعبر عن استيائي من النفاق الاجتماعي الكويتي خلال الفترة الماضية.
صح لسانك واخيرا شفناك بالسياسه
ReplyDeleteرغم انك مال منها ملل مو طبيعي
لكن على جزئية عدم التطبيع كلهم تناسوا انها كان اقتراح بقانون تمت الموافقه عليه بسرعة البرق منذ ان نطق فيه المرحوم سامي احمد المنيس وقاموا بإستصدار قوانين مبنيه على هذا القانون ليمحون اثر ذلك الرجل الطيب
يقول الله عز وجل:
ReplyDeleteيُؤْتِي الحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً
.
.
.
مساء الحكمة المتشحة بالعقل والمنطق
:)
حين قطع الملك عبدالله النفط في احد السنوات السابقه عن العالم،اثرت تلك المقاطعه اثر كبير نظرا لحجم المملكة في ذلك الوقت واثر نفطها
وموقف السعودية انذاك لم يكن ليحصل لولا حجمها وعلاقاتها
الأمورلا تؤخذ بردات الفعل العاطفية فقط
هناك منطق وواقع وقانون
المنطق:
ان موقع الكويت السياسي في خارطة العالم موقع بسيط لا يرقى لتركيا او غيرها ،شئنا ذلك او ابينا،وأنه لولا حنكة بعض القيادات في الخارجية لما استطعنا في سنة تسعين الحصول على تأييد العالم وتحرير الكويت
والقانون:
ان دستور دوله الكويت يقضي بالفصل المرن بين السلطات،وعدم تنازل اي سلطة عن اختصاصاتها للسلطة الأخرى،طبيعي ان عدد لا بأس به يجهل الحد الفاصل بين الاختصاصات،ولكن مصيبه ان ممثلين الامة لا يدركون هذا الحد الفاصل بين اختصاصاتهم واختصاصات السياديه،واي انكار في ذلك يجعلك تنعت بما لا تحب ان تنعت به
!!
يعطيك العافيه اخي العزيز
اول مرة اقرأ لك بوست من هذا النوع،وكالعاده تفوقت على نفسك ولا ينافسك احد تبارك الرحمن
:)
العزيز الجبريتي
ReplyDeleteوالله كأنك تدري شكثر متملل، بس المسألة لم يقف أحد ليوضحها، على فكرها الخرافي كلامه سليم 100% بخصوص أنها مقترح، وأنا أمتلك نسخة من التوصيات، ولم يكن بقرار منفرد أو اقتراح كما ادعت كتلة التنمية والإصلاح.
الله يرحمك يا سامي المنيس، هذا أقل ما يمكني أن أقوله هذه الأيام.
المقال نوعا ما طويل، لذا أتمنى أن لا يكون مملا
العزيزة استكانة
ReplyDeleteللتصحيح أعتقد أن الملك فيصل هو من أمر بقطع النفط عن العالم، وأدت في النهاية إلى إقصائه أو اغتياله اختاري ما شئتي من المسميات
:-)
أما ما نقوله بشأن الكويت، فإنك على حق في الوقت الحالي، إن للكويت أجندة سياسية خارجية منذ الاستقلال ونجحت بالترويج عن نفسها في مشاريع صندوق التنمية الاقتصادية العربية، وهو الذي يروج لاسم الكويت في الخارج، و غيرها من المساعدات و العينات و المنح المجانية لبعض الدول، وبإمكانك الرجوع إلى أرشيف الصحف لترين التدخل الكويتي على المستوى الإقليمي و التوجه للقومية العربية، حتى إننا أقمنا علاقات رسمية مع كوبا أبان الاستقلال!
إن الوضع الكويتي الخارجي انخفض بشكل كبير بسبب الغزو العراقي علينا، انكشف للعالم ضعفنا، لذا أصبحنا متقوقعين، لن نتدخل في شؤون الغير، أو القضايا العامة، وهذا ما حصل في العراق أبان تحريره أيضا، في 2003 لو تدخلت الكويت و دعمت التعليم مثلا، لما خرج علينا أناس يطالبون بضم الكويت اليوم، وهم على المقاعد الدراسية!
المسألة أن الجميع بدأت يتخبط عندما تطرق المسألة للأمور الدستورية و فصل السلطات، أتمنى أن يساءلون عن الموضوع و القضية.
:-)
صديقي العزيز :
ReplyDeleteالكويت - وإن رغبت - فإنها لا تستطيع الانسحاب من المبادرة العربية بمفردها .. فهي جزء لا يتجزأ من مجموعة الدول التي وافقت عليها وقدمتها راجية مترجية الكيان الصهيوني أن يقبلها و"يفكهم" من القضية الفلسطينية .. وطبعا الكيان الصهيوني القوي استقبلها بالضحك والتمصخر وكأنه يقول "شدعوة ميت عليكم ولا هاميني يا عرب يا خـمـ .. " .. ورغم ذلك أتفق أن الانسحاب قد يستغل لغير صالح الكويت في حال وافقت عليه الحكومة تحت أي ظرف وتم ..
ما فعله المنيس رحمه الله شمس لا يمكن أن يغطيها أي منخل ..
أما الثناء على النائب خلف دميثير فمع كل تقديري لك لم يكن في محله .. فأبو مشعل كما يعلم الجميع يحرك بالريموت كنترول .. ووظيفته الأساسية في المجلس تنفيذ رغبات سيده الممثل بالحكومة .. أما خارج القاعة فهو ليس أكثر من مندوب تخليص معاملات "كشخة" .. وبالتالي حتى عندما ينطق بما يعجبنا في جلسة ما فإننا ندرك يقينا أنه لا ينطق بما يريده الشارع .. بل بما يريده أحد آخر .
أما ما لا أتفق معك فيه إطلاقا فهو عدم اهتمام الكويت تاريخيا بالقضية الفلسطينية .. صحيح اليوم كثير منا يحقد على الفلسطينيين بسبب مواقفهم السوداء خلال احتلال بلادنا .. ولكن منذ عشرينيات القرن الماضي والكويت حكومة وشعبا تقف مع الفلسطينيين .. عد إلى التاريخ وانظر فيه كيف كان الدعم متواصلا ولم يخفت إلا عام 1990 ..
عموما الموضوع شيق وقيم كعادتك .. وتقبل تحياتي :)
الغالي أحمد الحيدر
ReplyDeleteلو انتبهت إلى الشريطة الاعتراضية التي تلت اسم النائب و الإشادة، لتيقنت بنفسك أني لا أؤمن بذلك، ولكن موقفه من المبادرة عين العقل،ولا بد من الثناء على المواقف السليمة إن حدثت، في النهاية إني لا أعارض أو أثني على شخص لا يستحق الثناء، أو العكس، لذا سأكون عادلا ما استطعت.
الكويت سباقة في تقديم الخير من الجانب الشعبي منذ قبل الاستقلال، ولعلمك فإني أتي من أسرة لها امتداداتها الأسرية في القومية العربية، و شارك والدي في حرب أكتوبر 1973، والكثير غيرها يا عزيزي.
اليوم كما قلت في تعليقي السابق لاستكانه هي الأسباب.
و تبقى وجهة نظرك محترمة جداً، و أقدرها
مرحبا قرمت
ReplyDeleteتحليل جميل ورزين بالنسبة لمبادرة السلام وان كنت قد تمنيت ولا زلت أتمنى تنسيقا يتم بين أعضاء هذه المبادرة من أجل تعليقها حتى يبدي الطرف الآخر ما يشجع على الاستمرار بها.
ما لم أفهمه يا قرمت هو ختاما في موضوعك, فالتفاعل والاهتمام- حتى وان صدر ممن استنكرت منه ذلك- قد يكون لأسباب انسانية بحتة و قد يكون بداية صحوة بحق أهل غزة وفلسطين بالعيش الكريم مهما كانت نظرتنا لهم ونظرتهم لنا.
هل تبني -غير من تعودت منه نصرة القضية الفلسطينية- هذه القضية وتعامله مع الأمر بانسانية هو نفاق اجتماعي؟
اترك هذا الأمر للأيام فإن رأيت منهم خلاف المواقف الحالية فاصدر حكمك " بالنفاق الاجتماعي الكويتي
قرمت
أطال الله في عمر والدك و تغمد برحمته شهداء الكويت في تلك الحرب..لا بد أن أباك الكريم قد رباك كما رباني والدي على ان اختلف الناس أو اتفقوا ففلسطين بقدسها وأقصاها وكل مدنها وقراها, وبكل أهلها الصامدين هي خط أحمر لا نتكلم عنها وعن أهلها الا بكل خير ولا نملك الا أن ندعو لهم وننصرهم بكل ما نستطيع .
شكراً
may,
ReplyDeleteأتمنى أولا أن أوضح النقاط التالية
أولا أني لا أمنع تعاطف الناس في القضية الفلسطينية، ولكن ما أزعجني هو النفاق و التصعيد الإعلامي من شخصيات المجتمع الكويتية، وبإمكانك الرجوع إلى الصحف في الأسبوع الماضي، و اكتشاف ذلك.
أرى الزيف في أن يتعاطف الإنسان مع القضية الفلسطينية في هذه الحادثة فقط، يعني صارت السالفة و خلصت، أين المتعاطفين في قضية أخرى مثل الانقسام الفلسطيني الفلسطيني، أو الانتخابات المقبلة ؟ أو صفقة تبادل الأسرى، وغيرها من المواضيع وين فزعتهم؟ ولا بس علشان الباخرة فيها كويتيين؟
تعاطف هؤلاء ضمني ولا أعده من التعاطف من القضية.
بالنسبة لي لا أرى خطوط حمراء، لأني إنسان حر، أسير وفق مبادئ أؤمن بها، لعل ما لم أتطرق له أو لم أفعله لم يكن بدافع آخر سوى إني لم اقتنع به، وليس لسبب آخر
كل ما أردت أن أوضحه أننا نعيش في مجتمع مليئ بالنفاق، ولا يهتم، وهذه حقيقة تأكدي منها في الأيام المقبلة و سترين العجاب!