Thursday, June 6, 2013

في "حكم الدستورية"




الكويت تقع على أعناق المستشارون في المحكمة الدستورية، ففي السادس عشر من يونيو الحالي، ستفصل المحكمة في مدى دستورية المرسوم بضرورة وفق المادة 71 من الدستور من مجلس الوزراء، والذي غيّر بموجبه آلية التصويت، بحيث تم تقليص الأصوات الممنوحة لكل ناخب بلغ السن القانونية من أربع أصوات إلى صوت يتيم.

الحكم المرتقب صدوره، سيؤثر مباشرة في مستقبل السياسي للبلد، وأرى أن خطورة الحكم يكمن في منح مجلس الوزراء صلاحيات تفوق ما ورد نصاً في الدستور، إذ يصبح من حق مجلس الوزراء تغيير آلية التصويت في كل عملية انتخابية، لم تعجبها مخرجاتها، وذلك استناداً إلى المبدأ العام، أن أحكام المحكمة الدستورية نهائية لا يجوز الطعن بها.

رأيي المتواضع يميل إلى قبول جميع الطعون المقدمة على مرسوم "الصوت الواحد"، وذلك بعد أن قبلت المحكمة في يونيو الماضي الطعون في سلامة مرسوم الدعوة للانتخابات مجلس الأمة في فبراير 2012، وبناء عليه تم إبطاله، لأسباب إجرائية تتعلق في التشكيل الحكومي، وما صاحبه من إجراءات مرسوم حل مجلس الأمة 2009، ولا بد –طبيعياً- من المحكمة أن تستمر في قبول الطعون، والتأكيد على مبدأها وحقها العام في بسط يديها على المراسيم الأميرية.

شخصياً، أرى أن قانون الانتخاب وآلية التصويت هما نص واحد مترابط، وبناء عليه، فإن المحكمة الدستورية فصلت بشكل واضح، لا لبس فيه، أن تعديل قانون الانتخاب أمراً سياسيا، يصدر بقانون، وهو اختصاص لمجلس الأمة في الأحوال الطبيعية، ومن هذا الجانب أتوقع، وكلي آمال أن تنتصر المحكمة الدستورية لحكمها الأخير بشأن الدوائر الانتخابية.

لماذا أرجح الإبطال؟، هناك عوامل كثيرة، أجد نفسي مقتنعا تماماً في ما قدمه النائب السابق لرئيس مجلس الأمة عبدالله الرومي في طعونه، أهم ما جاء في طعنه –وهي نقاط مهمة ومثير للاهتمام- استناده للمادة 102 من الدستور، التي تنص على "لا يتولى رئيس مجلس الوزراء أي وزارة، ولا يطرح في مجلس الأمة موضوع الثقة به، ومع ذلك إذا رأى مجلس الأمة بالطريقة المنصوص عليها في المادة السبقة عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، رفع الأمر إلى رئيس الدولة، وللأمير في هذه الحالة أن يعفي رئيس مجلس الوزراء، ويعين وزارة جديدة، أو أن يحل مجلس الأمة.

 وفي حالة الحل، إذا قرر المجلس الجديد بذات الأغلبية عدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء المذكور، اعتبر معتزلا منصبة من تاريخ قرار المجلس في هذا الشأن، وتشكل وزارة جديدة".

نص الفقرة الثانية شديد الأهمية، أنه في حالة توصل الأمر إلى استجواب رئيس مجلس الوزراء، وحصل المستجوبون على العدد الـ 25، رفع الأمر إلى رئيس الدولة، وفي حالة قرر حل المجلس، فإن من حق رئيس الدولة إعادة تعيين رئيس مجلس الوزراء، ولكن في حالة عودة "ذات الأغلبية"، وهنا أركز على لفظ "ذات الأغلبية" عدم التعاون معه، واستجوابه مرة أخرى، فإنه في حالة حصولهم على الرقم الـ 25، فإن الأمر يخرج من يد رئيس الدولة دستوريا، ويعتبر رئيس مجلس الوزراء معتزلا منصبة، وعلى رئيس الدولة سمو أمير البلاد تعيين رئيساً جديد لمجلس الوزراء وفق المادة 56 من الدستور.

وبالتالي، فإني أصور ما حصل في مجلس الوزراء عندما لجأ  إلى المراسيم الضرورة، كان يهدف إلى تغيير تركيبة مجلس الأمة، ويقطع الطريق أمام كل من يريد استجواب رئيس مجلس الوزراء، حتى لا يعزل سياسياً وفق الفقرة الثانية من المادة 102 من الدستور، ليأتي بمخرجات نيابية صديقة وأليفة مع الحكومة.

أما في ما يتعلق في المادة 71 من الدستور التي تنص على "إذا حدث فيما بين أدوار انعقاد مجلس الأمة، او في فترة حله، ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، جاز للأمير أن يصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون، على أن لا تكون مخالفة للدستور أو للتقديرات المالية الواردة في قانون الميزانية، ويجب عرض هذه المراسيم خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدورهما، إذا كان المجلس قائما، وفي أول اجتماع له في حالة الحل أو انتهاء الفصل التشريعي، فإذا لم تعرض زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون بغير حاجة إلى إصدار قرار بذلك، أما إذا عرضت ولم يقرها المجلس، زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون، إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة أو تسوية ما ترت من آثار بوجه آخر".

أجد أن جميع المراسيم التي أصدرها مجلس الوزراء غير دستورية، لكونها لا ينطبق عليها الضرورة، وإن كان بعض السياسيين يرون أن الميزانية العامة للدولة للسنة المالية 2012-2013 مهمة ويجب اعتمادها، فإن هذا الأمر مردود عليه، إن الانتخابات أقيمت في بداية ديسمبر 2012، ولدى المجلس الجديد نحو 45 يوماً قبل أن تنتهي المدة، فوزارة المالية حسب النصوص القانونية والدستورية، لديها فرصة حتى 29 يناير من كل عام لتقديم تقدير الميزانية العامة للدولة إلى مجلس الأمة، وكذلك المجلس لديه متسع كثير من الوقت لمناقشة وإقرار الميزانية، لاسيما أن الوقت يسعف لعقد أكثر من جلستين علنيتين، وجلستين تكميلية، أي ما يوازي أربع أيام، وهنا يظهر لي جلياً عدم دستورية مراسيم الضرورة الخاصة في الميزانية العامة للدولة.

أما باقي المراسيم الضرورة الأخرى، فبالله عليكم أين الضرورة في تعديل قوانين الإسكان، الشركات التجارية، تحويل مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية إلى شركة مساهمة، وغيرها من المراسيم ذات صيت شعبي؟، إن مجلس الوزراء استعمل المراسيم الضرورة في غير محلها، ولو كنت محل المحكمة لأبطلتها أيضاً، انتصاراً للمبدأ العام لمفهوم مرسوم الضرورة.

كما إني أجد أن هناك نقاط مهمة أيضا، وحجج أخرى للطعن بمرسوم الصوت الواحد، أرى أن الحكومة التي أصدرت المرسوم غير دستورية، وأرجع هذا الأمر إلى أن الوزراء وفق النصوص الدستورية يؤدون اليمين الدستورية مرتين الأولى وفق المادة 126 التي تنص على " قبل أن يتولى رئيس مجلس الوزراء والوزراء صلاحياتهم يؤدون أمام الأمير اليمين المنصوص عليها في المادة 91 من هذا الدستور".

ويعد القسم أمام سمو الأمير هو قسم تنفيذي، ليتولى إدارة شؤون الوزارة، ولكن هذا لا يعني قدرة الوزير على ممارسة أعماله داخل مجلس الأمة، ,وليس من حق مجلس الوزراء التقدم بمشاريع بقوانين إلى مجلس الأمة، إلا بعد أداء اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة وفق المادة 91 التي تنص على "قبل أن يتولى عضو مجلس الأمة أعماله في المجلس أو لجانه يؤدي أمام المجلس في جلسة علنية اليمين الآتية: أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصاً للوطن والأمير، وأن احترم الدستور وقوانين الدولة، وأذود عن حريات الشعب ومصالحه وأمواله وادؤي أعمالي بالأمانة والصدق".

وهنا أورد تساؤل جوهري، هل يحق لمجلس الوزراء أن يتقدم بطلب عدم إمكان التعاون مع مجلس الأمة، وبناء عليه حل المجلس، وهو ليس عضواً فيه؟، فهو لم يقسم أمامه ليفعل عضويته فيه بالأساس؟، أما الرد بالقول أن رئيس مجلس الأمة رفع رسالة إلى سمو الأمير يبدي فيه عدم قدرة المجلس على اكمال نصابه لأداء الحكومة اليمين الدستورية أمامه، فهي غير دستورية، الدستور بمواده الـ 183 لم تنص أبداً على مثل هذا الإجراء، وإن كانت نوايا رئيس المجلس أن يرفع الحرج عن عدم تمكنه من  دعوة مجلسه للانعقاد، إلا أن هذه الرسالة ودية من رئيس سلطة لسمو الأمير، ولا شيء أكثر من ذلك.

هناك طعون كثيرة وحجج مقنعة في عدم دستورية المرسوم الصوت الواحد، وأحدها أنه لا يحق لمجلس الوزراء أن يشكل كيان جديد يتمثل في اللجنة الوطنية العليا للانتخابات، ورصد ميزانية خاصة بها، دون اعتماد مجلس الأمة هذا الكيان واعتماد ميزانيته، وربما يكون هذا أحد الحجج القوية أيضا.

أتمنى أن كون قد وفقت في عرض وجهة نظري بشأن حكم المحكمة الدستورية المرتقب في 16 يونيو المقبل.

No comments:

Post a Comment