Wednesday, April 7, 2010

يوم



هناك أمور تحدث في الحياة لا تجد لها المبررات لوقوعها، ربما وقوفي هنا أمام سور منزل جدتي هي إحداها لا أعرف كيف وصلت إلى هنا، كل ما أتذكره إني " شغلت " محرك المركبة، أمام منزلنا، وضعت إحدى اسطوانات محمد عبدالوهاب، ووجدت نفسي أمام المنزل الذي تربيت فيه، ومحمد عبد الوهاب يشدوا أغنيته " الجمال و الصبا".

قَتَلَ الوَرْدُ نَفْسَـهُ حَسَداً مِنْـكِ
وَألْقَـى دِمَـاهُ فِـي وَجْنَتَيْـكِ
وَالفَرَاشَـاتُ مَلَّـتِ الـزَّهرُ لَمَّا
حَدَّثَتْـهَا الأنْسَامُ عَنْ شَـفَتَيْكِ
رَفَعُـوا مِنْـكِ للجَمَـالِ إلَـهاً
وَانْحَنَوْا سُجَّـداً عَلَى قَدَمَيْـكِ
الأخطل الصغير( بشارة خوري)ا

في الآونة الأخيرة لم يعد لعقلي و باطنه القدرة على التمييز بين الواقع الحقيقي الملموس و السراب، أو بين ما يثيره الخيال و الذكريات المبثوثه باستمرار أمامي أخيرا، بإمكاني القول إني أعاني من ازدحام فكري فوضوي نتيجة امور كثيرة، لا أستطيع أن أوجه اصبع السبابة إلى سبب، حالة السهاد، والتي أعاني منها منذ صغري نقلتني الليلة من منطقة كيفان إلى " برندة شقتي " بمدينة القاهرة.

حتى لحظتي هذه وأنا لا أعرف السر الذي يكمن وراء جرجرة الأغاني القديمة لذكرياتي، أو طبيعة ارتباطها الوثيق بالعقل الإنساني،أجد في كل أغنية غنيتها في شرفتي ذكرى، هنا غنيت مع جسوم " الشنقيطي " أعذب أغاني فايزة أحمد حلاوة، لا مش أنا يا روح قلبي، و في تلك الزاوية تغنينا لجوليا بطرس " البحر الهادي"، و على ذلك الكرسي التقطت أول رسالة إعجاب من بنت الجيران.

تختلف سهرتنا الأسبوعية مع كل فصل دراسي جامعي، حسب المواد المدرجة على ذلك الجدول الأخضر الكريه المذيل بتوقيعنا، وكأنها - الورقة - شهادة إقرار و تعهد منا بموادنا الدراسية، عقد قران لفصل دراسي كامل ١٨ أسبوع من الالتزام الكامل، ولا أعني أني أكره الدراسة، وإنما في الحقيقة إني أعشقها لدرجة الجنون، بل كنت " بو قليب " أحب الدراسة، خاصة مواد تخصصي، ولكن في لحظتها كانت الأمور مختلفة، و " غربة " النفس أثرت سلبا علي.

أمطار الكويت هذه أرجعتني إلى أجمل فصل دراسي قضيته في الجامعة، كنت مع صديقي الشنقيطي في غاية الشقاوة، أتذكر واقعة مهمة اتهمت على إثرها أنا و الشنقيطي بإزعاج الجيران ليلا، الشكوى قدمت لاتحاد الملاك كان ورائها العم بطرس و صديقه البطرياك اللعين قسطنطين ، وهم جيران يقطنون الدور السابع، بينما أسكن في الدور الثالث، أي أربعة طوابق عمودية تفصلنا، و كانت فحوى الشكوى، إننا أزعجنا و أرقنا منامه، بيد أنه لم يشتكى على أحمد صاحب المقهى و بياع الكبدة برائحتها " المنتنة " التي تصبغ ملابسنا باستمرار، ولم نتمكن من نشر غسيلنا في ذلك الجانب من الشقة بسببه، " مالقى غيري أنا المسكين!"

ولكن دهاء صديقي الشنقيطي العظيم الذي دعمني نفسيا و معنويا، مكني من إقناع اتحاد الملاك بحجتنا، أننا أقدم سكان العمارة، و لم نزعج أحدا، ولو تقدموا الجيران من حولينا في طريقة ودية لتوقفنا عن فعلتها على الفور، و بينا أن العمارة المقابلة لنا يطلبون منا غناء أغاني لعبدالوهاب و علي الحجار في بعض الأحيان!، و بعد المداولة الأولى، حفظ اتحاد الملاك الشكوى، وجدد الثقة بنا، ولكنهم أشاروا إلى أننا ربما قد نضطر إلى إيقاف نشاطنا الفني غير المحترف، إن جاءت شكوى ثانية من الجيران، وحتى انقضاء فترة دراستي لم يتقدم أحد بشكوى.

الطابق الثالث، والذي أسكن فيه مهجور تماما باستثنائي أنا الطالب المغترب الوحيد، ولكني احتراما للاتحاد تعهدت بما أرادوا احتراما للجميع، لذلك نقلت السهرة اللطيفة الأسبوعية إلى البرندة الثانية القديمة، و المقابلة لبقالة العم فكري!، في الحقيقة لم تكن أصواتنا تزعج أحد لأننا كنا نراعي الذوق و الأدب، ولكن بالإمكان القول أن أصواتنا لم تكن مزعجة، وكان في المستوى المعقول العادي، بإمكان العمارة المقابلة لنا سماع دندنتنا.



بينما ينشغل فكري في تلك الذكريات يدنوا صندوقي الخشبي مني، يطلب مني أن أخرج ما فيه من أوراق، لأتفاجئ بقصاصات ورقية بتلك الفترة، دفتر مركبتي المرورية، والدي عبد الله القرمتي، أراد أن تكون تجربتي في الغربة مميزة، أراد أن أشعر بالاستقلالية و المسؤولية في آن واحد، أشترى لي أول مركبة في حياتي، وبذلك فإني اعتمدت على نفسي حتى في وسائل المواصلات،


أتذكر عندما وصلت مركبتي إلى ميناء السويس، أوضح أبتي قائلا " لم تمض في الكويت الوقت الكافي لتتعلم قيادة المركبة، إلا أنك ستتعلم هنا، بين هذا الازدحام الغثيث، وأنا أثق بقدرتك على القيادة،"، بينما أجبته ضاحكا " لا تخاف علي، ترى ولدك يهدد مايكل شوماخر بحلبته في ميلانو في عقر داره بعد!”، استلمت المركبة، وإلى اليوم لم أتعرض لأي حادث مروري، و يعود الفضل إلى خبرات أبتي القرمتي في القيادة.





الورقة الثانية و الثالثة متعلقة بمادة الترجمة الإعلامية، و أود أن أذكر أن الدكتور محمود مصطفى من أكره الشخصيات التي قابتلها في حياتي، متعجرف، يظن أنه أول من توصل إلى نظرية إختراع أمواج الكهرومغناطيسية وذبذبات الإذاعية قبل ماركوني و آرمستروغ.


اعتاد في كل محاضرة أن يسجل الغياب يدويا، على الرغم من أن فصلنا لا يتعدى الخمس طلاب، إلا أنه يعد الغياب يوميا، لا زلت أتذكر حادثة طردي مرتين من المحاضرة، لأني لم أحضر معي بطاقتي الجامعية في مرة من المرات، ولم أكن أحمل حقيبة لحمل كتبي الدراسية في مرة ثانية، حتى أنه أظهر علنا كره للكويت و عشقه للدكتور مصطفى بكري، خلال محاضرته داخل أسوار الجامعة ، أعترضت بطبيعة الحال على ما قاله الدكتورين في تهجمهم غير المبرر للكويت بطريقة غير لائقة أخلاقيا، و نحن في حرم جامعي محترم.

كرس الدكتور كراهيته لي وأراد أن " يسقطني " في المادة الساذجة هذه باستخراج المفردات و الاختصارات للمصطلحات الإعلامية الصعبة و التعجيزية، والتي حتى وقتنا الحالي لم استخدم منها واحدة في حياتي المهنية، أود أن أوضح إنني كنت من الناشطين سياسيا نوعا ما في الجامعة بين الأصحاب، ولكن الله هداني و ابتعدت، و تركت آرائي لنفسي و للمقربين فقط منذ عامي ذاك.


تمكنت من الحصول على B+ في المادة من ذلك الدكتور " النحيس"، المضحك في الأمر، إننا أصبحنا أصدقاء بعد ورشة نقاشية محورها " العرب و العدوان الصهيوني، الكلمات و المصطلحات،"، والتي اتفقنا لأول مرة في التاريخ منذ صلح الحديبية و مؤتمر مدريد الفلسطينية الإسرائيلية، أن وسائل الإعلام العربية تستخدم كلمات و مفردات غير لائقة لشهداء الفسلطينيين، مثلا بقولهم " سقط ٦ شهداء"، بينما في الحقيقة أن الشهداء لا يسقطون أبدا، بل على النقيض، و نطق العواصم و المدن الإسرائيلية بالأسماء الإسرائيلية مثل أورشليم و ترك المدن مثل مدينة القدس، و التأكيد على القدس الشرقية عربية، و غيرها من الأمور الفنية، وبعد أن اتفقنا أصبحنا أصدقاء إلى يومنا هذا، و بالمناسبة أرسل إلي رسالة إلكترونية قبل أسبوع!”.

أما الورقة الثالثة هو امتحان لمادة الصحافة المتخصصة وهي أصعب المواد و أطولها دراسة، كان الدكتور رضا عكاشة من المرضى النفسيين الطيبين " أوي! “ ، لا يعرف الشرح بطريقة سهلة، بل يعقد الأمور، حتى جعل المرجع الدراسي المكون من ٤٠٠ صفحة أسهل من حضور محاضرته التي تستغرق نحو ثلاث ساعات و نصف الساعة أسبوعيا، متابعة حديثه صعب جدا، و الانشغال في المرجع أسهل بكثير!، ولكنه طيب القلب، يحب المثابرين في العمل.


أكن له محبة كبيرة لكونه أحد الذين آمنوا بي، و ألحقني بالمجلة الجامعية حتى تمكنت أن أكون المحرر الأول في المجلة لمدة ثلاث سنوات متتالية، ونلت مكافأة عن تحقيق صحفي عن منزل الشاعر أحمد شوقي، وعلاقته بالموسيقار محمد عبد الوهاب.

--

سؤال الأسبوع.


أغنية أحببتها فعلا منذ القدم، هي لطلال مداح عنوان الأغنية " زمان الصمت ".


ما أثار فضولي هو مقطع الأخير من قصيدة الشاعر بدر بن عبد المحسن يقول فيها


حبيبي.. كتبت اسمك على صوتي.. كتبته في جدار الوقت

على لون السما الهادي

على الوادي

على موتي .. و ميلادي!




سؤالي .. كيف يكتب الإنسان اسم حبيبة الفؤاد على الصوت.. أو على جدار الوقت .. على لون السما الهادي على الوادي على الموت و الميلاد؟ .. لدي محاولاتي .. ولكن متشوق لسماع ما لديكم.


4 comments:

  1. طلال مداح اييبلي القامت وهالاغنية مغنيها رثاء على ولده اللي دعمه بالسيارة واهو راد قري

    :(


    خلينا بالمحروسة وذكريات البقال وبتاع الكبدة ماركة هاو هاو

    كثر من هالذكريات ولا عليك ملامة

    وجامعة ايه اللي حتروحوها بشُنط؟

    ReplyDelete
  2. وترى البوست مليان بدليات بعد قول تبلي!

    :p

    وفي بارت ما ذكرته بالاغنية

    على لون السما الهادي "على الوادي" على موتي وميلادي


    الوادي سقطت مو سهوا

    :p

    ReplyDelete
  3. اييييه يالقرمت

    سؤالك بروحه يبي له بوست

    وما ينفع ارد من الدوام
    الى حين اتركك بحفظ الله ورعايته

    برجع اعلق ترى لا احد ياخذ مكاني
    :)

    ReplyDelete
  4. يكتبها بكل كلمه ينطق فيها لسانه كل كلمه يقولها تكون لهفة عاشقها لشوفتها

    او هكذا اعتقد

    ReplyDelete