Monday, February 15, 2010

الجامع الوجيز في غرائب أسفار القرمتي

مقدمةٌ

من أكثر العمليات العقلية التي يستعملها الإنسان،و التي تغيظني باستمرار هي العملية الاسترجاعية التي يقوم بها العقل كلما ذكرت أمامه " مفرده "، فمثلا عندما يستقبل الإنسان كلمة " السفر "، فإن العقل المبرمج مسبقا " يفلتر" لا إراديا جميع الأفكار و المعلومات و التجارب و الخبرات الشخصية التي لها علاقة في المفردة، وبحكم خبرتي الكبيرة باستطاعتي معرفة ما يدور في عقلكم الآن، فأولى الشخصيات التي سوف تسترجعها ذاكرتهم هي شخصية المدعو محمد بن عبد الله بن محمد الطنجي الملقب بـ" ابن بطوطة " عن رحلته الطويلة حول العالم، و من ثم يأتي دور المفكر الانكليزي فرانسيس بيكون عن مجموعة من مقالاته المشهور حول فوائد السفر.


إن العملية الاسترجاعية السالفة الذكر هي من صميم العقل اللاواعي الإنساني، و ما يثير سخطي بالطبع هو استمرار تجاهل الجميع لدوري العظيم في التأريخ، و نظرا لموهبتي الفذة في كتابة فن المذكرات و أدب الرحلات طوال مسيرتي حياتي الميمونة، أنجبت مؤلفي الأشهر " الجامع الوجيز في غرائب أسفار القرمتي"، و الذي وثقت فيه رحلاتي في مناكب أرض الله الواسعة، ولكن للأسف لم يتلق المؤلف الصدى المطلوب مقارنة ببذور مقالات – التي لا ينطبق عليها صفات المؤلف الأدبي أمثال الإنكليزي المتغطرس فرانسين بيكون، أو المتملق ابن بطوطة أو حتى " هيو هيفنر " بوردو الفرنسي ميشيل دي مونتي.

و بما أن المدونة مدونتي سوف أخذ راحتي في عرض كتابي القيم، والذي لا يقل أهميته عن مؤلفات الإيطالي الوكيح دانتي مؤلف الكوميديا الإلهية، ولا حبيب القلب الفرنسي ريني ديكار صاحب أهواء النفس و أبو الهندسة الإحداثية و صاحب مقولة أنا أفكر إذا أنا موجود – طبعا موجود! مطلع شي من عندك ؟- ، بل يرتقي مؤلفي إلى مستوى كتب المؤرخ الأدريسي و ماجلان و حتى البحار الإيطالي أميريغو فسبوتشي مكتشف أمريكا و العالم الجديد.

بداية المتن





الفصل الأول- القرمتي في بلاد المغرب العربي

في السابع من محرم 1429 هجرية، تشرين الثاني، قررت أن أشد الأحزمة إلى بلاد المغرب العربي لأكتشف العالم الجديد، مستندا إلى قول الله تعالي أن أرضه واسعة، و أن الرزق منتشر في كل مكان وليس مرتبطا في مكان ما، امتطيت جوادي "قنيطره" متجها إلى مطار الكويت الدولي، لم يسبق لي السفر عبر الطائرة من قبل، بسبب مقاطعتي لها منذ أن عرفت أن الأخوان " رايتز " سرقوا اختراع الطائرة من الرفيق عباس بن فرناس، ما حز في نفسي العربية الأصيلة، أقسمت بعدها أن أستقل الدواب في الترحال، ولكن المسافة إلى المغرب العربي التي تبتعد من الكويت بمئات الآلاف من الأميال البرية.

أستطاع والدي عبد الله القرمتي أن يقنعني باستغلال الطائرة في رحلتي الاستكشافية، وأهداني بضع سبائك الذهب التي كان يحتفظ بها تحسبا لليوم الأغبر، رضخت لضغط والدي، إلا أنني اشترطت عليه أن تكون الطائرة التي سأسافر على متنها عربية، و بعد أن وصلت إلى المطار، استقبلتني موظفة الكاونتر " الشمحوطة " التي أجرت ترتيبات السفر على متن خطوط الطياران الإماراتية.


تحول لسان" الشمحوطة " الأنثى الرقيق عندما سلمتها سدس إحدى سبائكي الذهبية ثمنا للتذكرة، فجأة إلى لسان " طقاقة " قائلة " قطع، شنو هذا؟ وين قاعد وين فلوسك؟، روح عمى بعينك بيعها و يب بدالها بيزات! وين قاعدين ذهب! لا و مختوم بعد؟ "، وبعد " الزفة المعتبرة "، توجهت إلى سوق الذهب، وأتممت عملية البيع " بعيارة "، وبعدها سريت بـ " قنيطره " إلى المطار مجددا، مستمتعا بأغنية أم كلثوم " أمل حياتي"، والتي لم تعجب " قنيطرة" ما حدا بي إلى إعادتها مرتين، إلى أن هز رأسه راضيا مرضيا عن " الست".

قدمت الأوراق و الاعتماد المطلوب، ركبت الطائرة ليتم توجيهي إلى كرسي الفخم، جلست، و ساعدتني المضيفة الاسترالية الرقيقة في ربط الأحزمة، ولكنها لم يرق لها تشبثي المفرط بحقيبة يدي، والتي أحتفظ بأسراري و أغراضي الثمينة فيها، طالبة مني أن أضعها في كبينة فوق رأسي، ولكني رفضت، إلى أن هددني "دريويل" الطائرة الفرنسي سليط اللسان بطردي من الطائرة، رضخت أخيرا، مع وعدهم لي بإرجاع الحقيبة إليَّ بعد عملية إقلاع الطائرة.

المبحث الأول: العاصمة دار البيضاء ( 12 ساعة )

وصلت مطار العاصمة المغربية دار البيضاء بعد 12 ساعة طيران، فقدت على إثرها حاسة السمع بإذني اليسرى، والتي كانت ملاصقة إلى الزجاجة المحاذية لمحركات الطائرة العملاقة، لم استوعب بعد أنها الساعة السادسة فجرا، لم يسهل عملية السفر إلا أغاني العمة باربرا سترايسنت و تينا ترنر و القليل من أم كلثوم و فايزة أحمد و محمد عبد الوهاب.


مسجد الحسن الثاني تم افتتاحه في 1993

تمتاز الدار البيضاء بالمباني الشاهقة البيضاء، ومن خلال المعاينة الأولي أتضح لي الأمر بأن المباني ليست وحدها البيضاء، وإنما أشياء أخرى تشرح " القلب "، و تمكنت من خلال إقامتي في العاصمة لمدة 12 ساعة من التجول في أزقة المدينة الرائعة، زرت مسجد الحسن الثاني، والذي يتسع لأكثر من 25 ألف مصلي، وثاني أكبر مسجد بعد الحرم المكي، غمرتني السعادة بمنظر المسجد المطل على البحر المتوسط جعلني مذهولا من تطور فنون الهندسة المعمارية المغاربية، إلا أنه يبدوا أن المملكة وحدت شكل المآذن الشاهقة في جميع المدن، وربما لارتباط شكل المآذن بالتراث

إحدى ساحات المسجد


نموذج لمآذن المساجد المغربية في الدار البيضاء


من الملاحظات التي دونتها في مذكرتي المتعلقة في الهندسة المعمارية المغربية هي أن معظم المباني تعتمد على " القمته " في التصميم السكني المغلق، بحيث تنحصر المنافذ الهوائية أو النوافذ في جانب الأمامي لواجهة المبنى السكني، في غياب تام " للبرندات "، و تبقى النوافذ محدودة،بينما، وتلف " الطوابيق " الحمراء المائلة إلى البرتقالية جميع زوايا المباني السكنية، وهي المشاريع الجديدة، أما بخصوص بعض العمارات بداخل العاصمة فهي ذات تصميم اعتيادي، و تتشابه العمارات السكنية ببعضها، وكأنها ملابس وزارة التربية التي كانت توزع على الطلاب في قديم الزمان في الكويت.


من مشاهداتي اللافتة تدني المستوى المعيشي لسكان المملكة المغربية، معظم المنازل تمتلك من قبل السفارات الأجنبية و أثرياء العرب، بينما يسكن العديد في شقق سكنية لا تتعدى المائة متر حسب ما قال لي سائق الأجرة الرفيق حسن بن عليوه.



العملة الرسمية للمملكة هي الدرهم المغربي، والعملة الأكثر رواجا هي العملة الأوروبية الموحدة " اليورو "، خدمة الإنترنت اللاسلكي ثمينة جدا، تصل إلى 18 يورو لليوم الواحد، ولا تدخل ضمن سعر الغرفة العادية، إلا في حالات نادرة، لا تتوقع أن يتم التعامل مع السائحين أو الباحثين عن العمل نفس حالتي بطريقة جيدة، وإنما توقع الأسوأ، لكي لا تنصدم بالواقع المحلي.


مواطنو العاصمة لديهم عادة غريبة – و يازت لي وايد- في الجلوس على المقاهي، فهم لا يجلسون أمام بعض، وإنما بجانب بعض، والذي حوَّل تجربة الشيشة التقليدية إلى أخرى مميزة، الشوارع أصبحت مرسحا* حقيقيا، بإمكانك الاستمتاع " بالطماشة على الرايح و الياي"، إلا إنني للأسف لا أدخن ولا أشيش، جلست مستمتعا بالشاي المغربي المنعنع الذي سرى إلى عروقي حتى أدمنت عليه، " صفنت " لوحدي مستمعا للمحادثات الجانبية باللهجة المغربية الممزوجة بالفرنسية بين رواد القهوة، المنقسمين إلى قسمين " النجري " و لاعبي " الطاولة "، و خلال هذه اللحظات انهمرت بتذكر إحدى المشاهد السينمائية لفيلم " المحارب الثالث عشر " بطولة الممثل الأجلح أنتونيو بانديرس، في بدايات الفلم الذي لم يفهم ما يقوله الفايكينغ إلا بعد وقت طويل من الاستماع، و بدأ عقلي بمقارنة مقاهي المرقاب بها، و مدى قدرتنا على تطبيق هذه الفكرة في البلاد.


المكوث في المقهى جعلني أفكر بالسبب وراء استمرار ذاكرتي في استرجاع فيلم كازا بلانكا للممثل هيفي بوغارت و السويدية الجميلة انغرد بردمان، تخيلت نفسي وأنا أستشف الشاي الأخضر بأني ريك بلايني صاحب حانة ريكس كافيه أمريكانا، طلبت خمسة كؤوس من الشاي، حتى أصبحت أنشط من حصاني قنيطره الذي بدأت أشتاق إليه، طلبت من أحد العاملين المقهى أن يشعل لي أغنية As Time Goes By لي،ولكن لم أفهم شيئا من إجابته، فضلت السكوت، و الاستمتاع بنسمات الهواء المنومة.




الجولة في العاصمة عصرا جميلة جدا، إلى أن حل عليَّ الظلام، كانت معدلات الخوف و خفقان قلبي المغلوب على أمره بازدياد كلما زادت معدلات الغروب، الرفيق حسن نصحني بعدم الخروج من مقر سكني بعد الثامنة مساءً، حتى يأتي هو و يطرق على بابي في تمام الساعة العاشرة مساءً ليقودني إلى المطار مجددا.



ولكن بسبب طبعي العنيد في بعض الأحيان، لم أنصاع لنصائح و توجيهات الرفيق، و قررت النزول إلى البهو لأجد الكونسيرج الحسناء أمامي، ابتسمت فرددت الابتسامة، سألتني هل هي الزيارة الأولي لي في بلاد المغرب؟ وبعد أن أجبت بالإيجاب، أغوتني إلى الخروج للسوق التراثي المحاذي للفندق لأطلع على التراث المغربي، خرجت لوحدي مجددا.


ولأن حظي " يكسر الصخر " جاء أحد الفقراء طلب مني التصدق، و لكني رفضت لأني لم أقتنع بأن قميص " الفون دوتش " يدل على فقره، أو تسريحة شعره السبايكي، أظهر المتسول سكينته في وجهي، ظننت في البداية أنه يريدني أن أعاينها، إلا أن تحركات يده بالسكنية دلت على تهديده بقطع رأسي.


وبما إني جسورا،أقنعته بأن أعطيه عشرين دولارا – وهي خطة أعتمدها في السفر عدم حمل أكثر من عشرون دولار و بطاقة الائتمان أدري حي قلب!- وولى في حال سبيله،و بسبب الحادثة السالفة الذكر لازمتني حالة الجزع من الخروج من المنزل بعد الساعة الثامنة حتى يومنا هذا.


الرفيق حسن طرق الباب في تمام الساعة التاسعة و النصف و رافقني إلى المطار، وعندما وصلت إلى بوابة الطائرة التي ستقلني إلى مسقط رأس المدعو محمد بن عبد الله بن محمد الطنجي الملقب بـ" ابن بطوطة "، تذكرت آخر لحظات فيلم كازا بلانكا، ركبت الطائرة و بدأت بقراءة ما أحفظه من آيات قرآنية ردعا للسحر المغربي الذي مللت من الاستماع عنه.


انتهى المبحث الأول من الفصل الأول.


المبحث الثاني الرحلة إلى طنجة



*المرسح هو ذاته المسرح.

15 comments:

  1. صباح الخير


    بغيت سبيكه ذهب

    ;p



    يعني اللي واجهك هذا من احدى قطاع الطرق
    ;p





    اسلوبك في الكتابه وايد حلو شدني من أول سطر

    استمر

    وشكرا على تكبير الخط:)

    ReplyDelete
  2. وليش ملوع جبد قنيطره بأم كلثوم ؟؟؟

    انا حصاني ليل يحب يسمع انغام يحب يسمع اصاله بس ملوع جبده بالخشرم والعماري وحمد خليفه

    المهم يالله نبي نقرا سالفة طنجه

    ReplyDelete
  3. why me
    داشه على طمع شكلج، الحاج عبد الله القرمطي حفظه الله و رعاه يوزع زكاته و أعماله الخيرية في رمضان و الأشهر الحرم، ولأن سفر انتهى فماكو إلا السنة القادمة بإذن الله.

    أما بخصوص قطاع الطرق الله لا يبارك في اليوم إلي طلع بويهي، ولكن الله حفظني والله، موقفي كان صعب حيل

    جبريت
    قنيطرة لا يستسيغ الأعمال الفنية الراقية، ولكني أحاول أن أثقفه فنيا، أغنية أم كلثوم أمل حياتي هي من أجمل الأغاني التي أسمعها.
    قنيطره آخر فنان جديد استمع له كان صفوان بهلوان.

    آه يا طنجه

    ReplyDelete
  4. شنو أعمال خيريه !

    مابي


    أبي هديه سبيكه ويفضل سبكتين من الذهب عشان أعيش الجو ترا بس
    ;p

    ReplyDelete
  5. ناس خبزه مو لاقيه وأنتي تبين سبيكه ذهبية؟ تذكري الناس في هاييتي تذكري الناس في النيجر و النيبال، تصبري لي السنة اليايه إن شاء الله
    أو كلش قدمي على صندوق المعسرين ترى خوش صندوق عليه سحب كل ستة شهور

    ReplyDelete
  6. آسفة يا قرمت لكن لم أستطِع ألا أسترجع دون كيخوتة، و إنت مع قنيطرة و سبائك الذهب
    :)

    في انتظار المبحث الثاني

    ReplyDelete
  7. العزيزة ديمة، عدم ورود حرف الأتش في آخر إسمك جعلني محتارا بالتهجئة، ولا يخفى عليك مقدار الإنزعاج الذي يراودني في حالة الأخطاء الإملائية.

    لا بأس في استرجاع الصديق دون كيخوته و عمَّه ميجيل بعد، إلا أني سعيد بأنك استرجعتني معهم و قنيطرة أيضا، عاشق الأغاني القديمة، هو يعشق أم كلثوم و يموت في دباديب سيتا كاهوبيان أيضا


    أما بخصوص سبائكي الذهبية، فقد أثبتت أنها في مأمن من الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالعالم، مما يجعل والدي بمنأنى من عوّار الراس وسوق الأوراق المالية و المضاربة في العملات.

    :)

    ReplyDelete
  8. احمد الله يا قرمت انك لست في زمن التسعينات
    ولا جان مسكوكة الذهب مالتك ماودتك البحرين

    :P~


    لحد الحين ماكو تشويق أين عنصر التشويق في المذكرات
    ؟؟

    ReplyDelete
  9. نون النساء
    لا تحاتين الخير موجود

    ما كتب هي مشاهداتي في الدار البيضاء لمدة ١٢ ساعة فقط

    أما مسألة التشويق فالجود بالموجود

    ReplyDelete
  10. ونــــــــــــــــــاسه

    هذا الشعور اللي ياني و أنا أقرا

    ReplyDelete
  11. nanonano
    الحمد الله عسى دوم إن شاء الله
    أتمنى ما تكون البوستات طويلة و ثقيلة عليكم

    ReplyDelete
  12. مو طويله

    بس نبي سالفة طنجه


    من أمس وانا افكر فيها

    ;pp




    صباحك ورد:)

    ReplyDelete
  13. :)

    ذكرتني بدعاء الداون تاون... يكفيني شر المكسيكان في داون تاون لوس انجلوس العامرة!


    على طاري الشيشة والمرقاب... من ادش شارع بن خلدون من صوب طريج المغرب تهفني ريحة الشيشة!... والمرقاب يفوتح من السمبوسك المحزر!



    بانتظار طنجة

    :)

    ReplyDelete
  14. hi


    أنا توني قريت البوست اليديد بس مادري وين اختفى يوم كتبت كومنت


    وينه؟

    ReplyDelete
  15. Why me, الخطوط و الفونت ما كانوا عدلين عدلتهم الآن البوست موجود

    Chandal
    أنا آخر مرة رايح حولي قبل ثلاث سنوات، أحاول أتجنبها بقدر الإمكان من الزحمة، ريحه السمبوسك بسبب مطعم صوت الهند إلي في شارع أحمد الجابر كله منه

    ReplyDelete