Thursday, February 11, 2010

ثقة من طرف واحد

مقدمةٌ
تعود كلمة مراقبة إلى " رقب " وأعاد لسان العرب الكلمة إلى اسم الله عز وجل في أَسماءِ اللّه تعالى: الرَّقِـيبُ: وهو الحافظُ الذي لا يَغيبُ عنه شيءٌ؛ فَعِـيلٌ بمعنى فاعل، ولكنه في الوقت نفسه فسَّر كلمة الرَّقِـيبُ بالحارِسِ الحافِظُ

أما كلمة ثقة فهي تعود إلى كلمة وثق حسب الصّحّاح في اللغة، وثِقْتُ بفلان أَثِقُ ثقةً إذا ائتمنته، والميثاقُ: العهدُ، صارت الواو ياءً لانكسار ما قبلها، و والجمع المَواثيقُ على الأصل، والمَياثِقُ والمَياثيقُ أيضاً،
وأنشد ابنُ الأعرابيّ: ولا نسألُ الأقوامَ عَهْدَ المَياثِقِ حِمًى لا يُحَلُّ الدهرَ إلاّ بإذْنِنا


** بداية المتن:

لن أتطرق إلى قصة تأسيس الكويت الديمقراطية، الشعب الذي اختار حاكمه بنفسه قبل ثلاثمائة سنة، ولكن ما ينبغي ملاحظته أن الشعب لم يكن مهووسا بالتحكم و السيطرة، بل كان على النقيض مكافح يبحث عن لقمة العيش أينما تكون، وبهذا اختار الشعب بنفسه حكامه، وجدد بيعتيه في مناسبتين مهمتين في 1990 و 2006 في أحداث تاريخية مهمة، في تلك الأحداث السالفة الذكر توافرت فيها عناصر متبادلة ما بين الاثنين وهي الاحترام و الثقة و الولاء

المقصود بالثقة كما هو مدون أعلاه الائتمان، و يقصد بالولاء للوطن الإخلاص لأراضيه، المواطنون لم يختاروا دولة أخرى عندما اجتاحت القوات العراقية مركز الصامتة، و صمدت ستة أشهر بانتظار أحدا أن يحررها من العراق لتعود إلى أحضان الشرعية الدولية، إلى من كانوا ولائهم له

كل ما سبق هي نماذج حقيقة لشعب يستحق الائتمان فيه واحترامه، حينما كان يؤتمن الشعب جرى إصدار الدستور الذي ارتضى و اهتدى فيه جميع الأطراف الحكومية و النيابية، ولكن أحد الأطراف يفكر أن " يفض الشراكة "، حتى أصبحت هناك من يطعن " و ينداس في بطنه " هذه الأيام، و لكن جاء الالتزام بالدستور من طرف واحد فقط وهو الشعب

و يبقى التساؤل عن الأسباب الحقيقية وراء اللهث الحكومي للانقضاض على الحريات العامة لمواطنيها؟، و الإصرار على سلب حقوق الجميع من التعبير عن آرائهم، و الترويج لمبدأ " الكبت " في نفوس شعبها، على الرغم من أن حرية التعبير و التوصل إلى المعلومات من صميم الباب الثالث من دستور البلاد، وهي إحدى صور التطرف و الإخلال في الالتزام به

إن الشعب يثق بالحكومة و يثق بها و ائتمنها، ولكن للأسف تبين أن الثقة هي من جانب واحد فقط، عندما وثق الشعب في الحكومة، سعت إلى تزوير الانتخابات في مناسبتين، عطلت العمل في الدستور في مرتين، أنشأت مجلس وطني فاشل مقاطع من أغلبية المواطنين، فرضت الرقابة المسبقة على الصحف، أخترق أمنيا و استخباراتيا، و أدخلت الدولة في احتلال عراقي عام 1990، ورغم هذا لا يزال الجميع يثق بها، وأنا من ضمنهم، ولكن مع وجود حياة برلمانية و سلطة تشريعية المتواجدة حاليا

لعل من أبشع صور عدم الائتمان الحكومي لشعب " فقير و منتف "، أن تيقظ الحكومة وزارة الإعلام " النايمة على ودانها " من بياتها الشتوي لتعديل قانون المطبوعات و النشر، المضحك في الأمر أن القانون الذي أعدت مسودته في 1999 و أصدر 7 سنوات في 2006، " تضبط و عدل " في أقل من 10 أيام

و الدليل على النية المبيتة على الانقضاض على الحريات عدم شمول التعديلات التي أقرتها اللجنة القانونية في مجلس الوزراء أي تعديلات حقيقية لمواده التي تعاني من ثغرات مهولة، و الدليل على ذلك فإن تجاهل المادة 9 من القانون، والتي تنص على أنه لا يجوز إصدار مطبوعة ( صحيفة- مجلة – نشرة ) إلا لصحاب مؤسسة أو شركة تجارية، ولم يرد في القانون أو المذكرة التفسيرية أي استثناءات، ما يعني أن الجهات الحكومية و الخاصة و المجتمع المدني لا يحق له إصدار مجلاته الدورية، ولا يحق لجامعة الكويت بإصدار جريدة " آفاق" الأسبوعية، و باستطاعة أي مواطن التقدم إلى القضاء لإغلاق تلك الصحف و المجلات و النشرات و إحالة مسؤوليها إلى القضاء لعدم قانونية وضعهم

كما تجاهلت تعديل المادة 22 المثيرة للجدل، وهي المنظمة للإعلانات التجارية المنشورة في الصحف و المجلات، فنص قانون المطبوعات على الإعلانات التجارية،ولكنه تجاهل أن يورد عقوبة قانونية لها، و تجاهلت المذكرة التفسيرية كذلك!، وبإمكان أي شخص أن يبيع أدوية سامة و غير مرخصة من دون الرجوع إلى وزارة الصحة، ولن ينال عقوبة ضمن قانون المطبوعات، وبإمكان مقاضاته وفق قوانين أخرى ولكن ليس بقانون المطبوعات

وارتدت نظارتاه السوداء عندما يناقش التعريف السليم للإصدارات الصحفية و المجلات الموجود في بداية القانون، و من المعلومات المضحكة المبكية أن جريدة الحركة التابعة لإخوان المسلمين " حدس " ينص ترخيصها " مجلة أسبوعية "، ولكن الهيئة الإخراجية تدل على عكس ذلك، و تتجنب " مجلة الحركة " ذكر أسم مجلة على إصداراتها، وهو مخالف تماما للقانون
هذه نبذه بسيطة من التعديلات التي ينبغي على الحكومة أن تعدلها، ولكنها سعت إلى تعديلات مرتبطة بصميم الحريات، مثل ضم مسؤولية المحرر الصحفي ضمن المادة 17 من قانون المطبوعات ، والتي تنص أن رئيس التحرير مسؤول مباشرة لما ينشر في صحيفته،
وهو أمر مقبول تماما، و تقع ضمن رقابته الذاتية، فضلا عن تغليظ العقوبات لتصل عقوبات إلى أكثر من 200 ألف دينار، و ينحصر التعديلات الحكومية على باب واحد فقط هو الثالث! تخيلوا ، ما تبعوا عمرهم يقرون القانون و يشوفون الثغرات!
في النهاية يتجلى من الأمر أن الثقة من جانب واحد، وهو من الشعب إلى الحكومة فقط، ولكن يبقى التساؤل لماذا لا تثقون بنا؟ ألا نستحق ثقتكم بنا؟

12 comments:

  1. الثقة عادة تكون بمورد الأمن
    و الأمن يأتي من الدخل

    في السابق كان مورد الدخل يأتي من الشعب فهم الغاصة و هم من يجلب التجارة فهم من يجب أن يؤتمن عليهم و لهم يجب أن تكون الثقة

    و لكن الآن الحاصل هو أن مصدر الدخل -البترول- أصبح مفصولا عن الشعب و لهذا بالطقاق شقاعدين يسوون الناس لأن عند الحكومة مصدر دخل ممشية فيه تجارتها و دوائرها الحكومية

    و بهذا تحول الشعب من مصدر دخل إلى مصدر قلق

    و لهذا فإن الرغبة في السيطرة على الحريات في اعتقادي ليس سببه أننا نتخلّف و لكنها استراتيجية منطقية لفرض قيود على شعب لتفعيل إحساسه بالمسؤولية تجاه دولة لا يعيطها شيئا من قدراته

    ReplyDelete
  2. العزيزة ديما، كلامك جميل جدا، أعدتيني إلى عدة نقاط كنت أنوي كتابتها ولكني فضلت أن أشطبها، أريدك أن تتجردي من الواقع، أن تعيدي التفكير إلى العصور الوسطى الأوربية، إلى عصر الظلام و العبودية تحديدا، كان يتنازل العبد عن حريته مقابل المأكل و المشرب و الأمن، هل تعتقدين لو تنازلت أنا قرمت القرمتي عن حقي في التصويت أن توفر لي الدولة كل ما سبق؟، الجواب سيكون لأ، الدولة متهالكة على جميع الأصعدة لم تشعرني يوما بالأمان، والغزو العراقي أكبر دليل، عاشرت الفترة الصعيبة كاملة، وتشبتنا في هذه الأرض.

    مقدمتك رائعة بخصوص ارتباط التجارة و الدخل، ولكن يجب أن تعرفي أن ثروة البلد هي في الأساس ملكية الشعب و إن كانت اعتبارية، أما في ما يتعلق في الحريات أخالفك الرأي قليلا، لا أعتقد أن فرض القيود سوف يؤدي إلى ضبط النفس، ولكن إلى العكس، فهذا يولد الكراهية، لتسمحي لي أن أعطيك مثال، أسألي شعور أهالي منطقة الجهراء عن مستوى الخدمات مقارنة بالمناطق الداخلية، و غيرها من المفاهيم التي رسختها الدولة في عقول هؤلاء، أنظري ما خلفته معتقدات المتطرف محمد الجويهل، هؤلاء نتاج الكبت، إن كان فكر محمد الجوهيل فكر متطرف، فإن الكثير و الكثير يؤيدون كلامه للأسف، ولا أستغرب إن حصد مقعد في مجلس الأمة المقبل.
    مثال على ذلك فإن محمد هايف حصد مقعده عندما اشتهر بخصومته للتيار الشيعي،، وهو الذي قاد هجمات شرسة إعلامية ضد حزب الله الكويتي ، وحصد مقعد القبيلة بسبب مواقفة المتطرفة تلك، و هناك أمثلة عدة يا ديما لا يسعني أن أسردها.

    ينبغي على الدولة أن تتجه إلى حل القضايا الرئيسية أن تكسب ود الناس لا أن تقمعهم، الكبت لا يولد إلا الكراهية، هذه الأيام تذكرني بأيام فرنسا في أواخر القرن التاسع عشر، إن فهمت ما أعنيه :)

    ReplyDelete
  3. أنا أوافقك بأن وسيلة القمع خاطئة لكنها كان من المنطقي أن تفكر بها الحكومة

    بالضبط مثلما كان قرار هدم بيوت الطين منطقي لكن خاطئ

    في انتظار المزيد :)

    ReplyDelete
  4. ديما، إن شاء الله :) الخير لي قبال

    SHOOSH
    أدري فيه نفاط فنية شوية، بس إن شاء الله البوست المقبل راح يكون فيه اختيارات :P

    ReplyDelete
  5. الله يرحملي والديك كبر الخط ماني قادر اقرا ارحم الشياب الي ما يشوفون

    ReplyDelete
  6. ENG_Q8 أواجه عدة تحديات تقنية بما يتعلق بالبوست، كنت على وشك الإنهيار العصبي في تعديل الخطوط و توازيها ببعض ، إن شاء الله سوف يتم تداركها في البوست المقبل.

    Why me,
    و نقدم لك أيضا إعتذاري لصغر الخط
    Now I feel guilty!
    I'm new to " blogger.com " so bare with me, will change the font inshallah by the next post.

    ReplyDelete
  7. استمتعت بالنص جدا
    لو انه دسم الا انه يحمل من المعنى
    الشيء الراقي


    :)
    great post

    *******************

    ReplyDelete
  8. aL-NooR

    أحب تناول الموضوع بهذه الطريقة، أتمنى أن لا تكون مواضيعي ثقيلة على القلوب

    وشكرا على الإطراء

    ReplyDelete
  9. اولا يا قرمت

    مقاله رائعه بمعنى الكلمه رغم اني ما قريتها في وقتها لكن قرأتها الان وللتو كوني توني اكتشفت مدونتك الي تستاهل القراءه للأمانه

    واحب اذكرك عدم تطرقهم للماده 11 من قانون المطبوعات

    ReplyDelete
  10. العزيز جبريت،
    أنا من المؤمنين بتطبيق أسلوب الإخطار، بحيث لا يتطلب من ينوي إصدار الصحيفة الحصول على الترخيص، لأن الترخيص أصبح من الأشياء المعتقة، وإنما يتوجب على المهتم بإخطار الوزارة خطابيا بنيته إصدار صحيفة مع الأوراق و المستندات المطلوبة، و إن لم تصدر الوزارة أي تعليق أو رفض خلال مدة أقصاها 90 يوم أن يصدر صحيفته، وعلى فكرة هذه الفكرة مطبقة في أكثر من قانون، و،لنأخذ القانون المصري للمطبوعات 96/96 وهو قانون ممتاز من حيث الإصدارات.،وليس بشأن الحريات.

    كنت في جلسة مع أحد واضعي القانون، وشرحت له إنزعاجي من المادة 9 في الجزء المتعلق في مراقبة الحسابات المالية، وبرر لي أن السبب الرئيسي لوضع المادة في القانون لحفاظ حق الحكومة في تفعيله إن وردت هناك شكوك في غسيل أموال أو تمويل أجنبي لبعض الصحف، ولم يستغرب أن يكون هناك فعليا في الكويت.

    ولكن أحد القانونيين الكبار أشار خلال حديثي معه أن وزارة الإعلام لم تطبق القانون كما يجب، والمقصود هو أنه حسب المادة 9 من القانون فإنه يتوجب على الوزارة أن تراجع حسابات الشركة القائمة حاليا و تدقيق حساباتها للأسباب ذاتها التي أشار بها أحد واضعي قانون المطبوعات، كما يحق لها الإطلاع على الدفاتر الحسابية في أي وقت.

    نعاني يا عزيز جبريت من أشياء مشاكل كثيرة في تطبيق قانون المطبوعات، كان يتوجب على الحكومة تعييني مستشارا إعلاميا و قانونيا لها!

    وزارة الإعلام = وزارة التخبط و الإحباط

    أشكرك على كلماتك الرقيقة و المدونة مدونتك لا تقاطع:)

    ReplyDelete