المبحث الأول
الطريق إلى الديار المقدسة
مكة المكرمة
مقدمةٌ
مكة ، بكة، أم القرى، البيت العتيق، المسجد الحرام، الحرام، سموها ما شئتم فهي ستظل العاصمة و القبلة الروحانية الأولى و الوحيدة للمسلمين في أرجاء المعمورة، من هذه الصحراء القاحلة اصطفى الله عز وجل رسوله الكريم عليه السلام، الأُمي الذي أوحي إليه من الإله عن طريق سيدنا جربيل عليه السلام، الإسلام و سور القرآن الكريم،هنا ولدت الديانة السماوية الأخيرة ليهتدي بها من يشاء و يصد عنها من يشاء، إلى أن يظهر الله عز وجل الحق في يوم معلوم عنده.
يطاردك الخشوع إلى تحت جلدك، يتماشى مع كريات الدم الحمراء في جسمك بكميات كفيلة تجعلك تبحر مع خيالك الواسع إلى الوراء لأكثر من ١٤٣١ سنة، في هذه الأرجاء عاش الرسول عليه الصلاة و السلام، وهنا دخلها بعد صلح الحديبة، و هنا أيضا فتح مكة في السنة السابعة هجرية من دون سفك أو إراقة دماء.
لا يمكنني حتى الآن أن أصف أو أحدد العبارات السليمة و الصحيحة لتجربتي الروحانية في مكة المكرمة، أو برؤيتي للكعبة المشرفة لأول مرة في زيارتي هذه، أتخذت من بوابة الملك فهد بن عبدالعزيز دربي إلى الولوج بساحة مسجد الحرام، تركت حذائي في جوف صندوق يحمل رقم ٧٧، وهو ذاته الذي أبقي فيه أحذيتي في كل زيارة لي إلى الكعبة، مجرد الوجود في بيت الله يولد فيك شعورا بالاستغناء عن العالم الخارجي، بل إني أكاد أجزم أن قاطني مكة ليسوا على دراية بوصول أول رئيس الولايات المتحدة الأمريكية من أصول أفريقية، أو أن إسرائيل لا تزال تشرع في بناء مستوطناتها في القدس الشرقية العربية، أو حتى فوز إياد علاوي في الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة، مجرد النظر إلى الكعبة تقنعك فعلا أنها محور الكرة الأرضية.
في زيارتي هذه أو " عمرتي " أتخذت قراري في الاتباع بخطى النبي عليه الصلاة و السلام في حياته و معاشه هنا، جعلت من اللبن الصافي و التمر غذائي الوحيد طيلة الثلاث الليالي التي قضيتها، و ما أروعها.
بداية المتن:
لم أصادف خلال دخولي إلى ساحة المسجد الحرام أي خلافات بين قريش أو بني أمية أو بني هاشم حول من سيتشرف بوضع الحجر الأسود في مكانه، لم يكن لصنمي اللات و العزى أي أثر في ساحة الحرم، لم يقدم زوار الكعبة، وهي المتواجدة منذ أن رفع سيدنا إبراهيم و نجله إسماعيل قواعد الكعبة أي قرابين كما اعتادوا أن يقدموها إلى الإله، كما لم تصادفني أي معلقات أو ملاحم شعرية، أو حتى إعلان إجارة المطعم بن عدي، كل ما رأيته هو فوج هائل من البشر يطوفون الكعبة في حركة دائرية عجيبة، أتخذوا من اللون الأبيض حراما، بينما كسيت الكعبة قماشا أسودا حريريا، زخرف على أطرافه آيات من القرآن الكريم بخيوط من الذهب الخالص، أعطى إندماج اللونين الأسود و الذهبي هيبة، استطاعت أن تسرق الأفئدة و الألباب.
تبدأ رحلة العمرة عادة بالطواف حول الكعبة بسبعة أشواط، في كل مرة أدعو الإله بأدعية مختلفة أحملها في صدري و في كتابي، و أعلم يقينا بأن هناك ملائكة تطوف معي أعلى هذه الكعبة التي أمامي، في البيت المعمور، والذي يقع تماما فوق هذه الكعبة، يطوفه في كل يوم و ليلية سبعون ألف ملاك، لا يرجع إليه من سبق من الملائكة أن طافه، الطيور محلقة في السماء أعلى الكعبة، بإمكانك سماع أصواتها.
اشتركت مع أكثر من جماعة في الدعاء أثناء الطواف، في المرة الأولى مع الإيرانيين و الثانية مع الأتراك الذين صححت لهم بعض المفرادت اللغة العربية و كيفية نطق بعض حروفها بالشكل الصحيح، و بعض الأدعية التي أحفظها عن ظهر قلب، في ما بقيت وحيدا باقي الطواف، صليت بعدها ملاصقا لمقام سيدنا إبراهيم عليه السلام، صاحب القدم العملاقة، ثم أديت أركان العمرة المتبقية من سعي و تقصير و حلاقة بتروي، حتى إنني أنتهيت من أركان العمرة في تمام الساعة الحادية عشرة مساء، إلا أنني بقيت و تطوعت بالطواف سبع مرات أخرى، و السعي أيضا سبع مرات أخرى، قبلت الحجر الأسود مرتين و لمست أطراف الكعبة من الركن اليماني.
انتهيت من أعمال التطوع في تمام الساعة الواحدة و النصف فجرا، صليت المغرب و العشاء جمع تأخير، أتممت أركان العمرة، عدت إلى فراشي، أبقاني السهاد مستيقظا حتى تسللت في الثالثة فجرا إلى ساحة الحرم مرة أخرى، إلى حجر إسماعيل، صليت فيه صلاة التهجد كاملة من دون أي مضايقات، بل يكاد أن يكون فارغا.
أذن الفجر، جلست في أول سجادة أمام المقام، أخرج عمال بيت الله " المايكروفونات "، ابتسمت لشيخ كبير في السن كان يجلس بجانبي، حاولت أن أطلب منه إن كان بإمكانه أن يحفظ لي مكاني لحين عودتي، بينت له عن رغبتي في شرب القليل من ماء زمزم،و وافق على الفور، ولكنه اشترط أن أجلب له معي القليل من الماء له أيضا و نسخة من القرآن الكريم ليتسنى له قراءة ما تيسر من السور إلى أن يعلن المؤذن القابع في غرفته المخصصة له على يسارنا.
وافقت و جلبت ما تمناه وطلبه الشيخ، شكرته على استجابته لطلبي،ابتسم و طلب مني الجلوس على يساره بدلا من يمينه، علمني خلال تلك الفترة التي تفصلنا قبل الأذان بعض قواعد التجويد في القرآن من القلقلة و أحرف المد و الإقلاب، حتى إنني رددت عليه بعض الاختصارات التي أعرفها مثل كم عسل نقص لأحرف المد، و قطب جد الأحرف المختصرة للقلقة، علمني كيفية النطق السليم، و بعض تعاليم علم الصوت للعالم الجليل ابن الهيثم، والذي ترحمنا عليه، بعدها علا صوت المؤذن معلنا آذان الفجر، صليت ركعتين بعدها، طلب حراس الكعبة مني الرجوع إلى الصفوف الخلفية، لأن السجادة التي أجلس عليها هي مخصصة للعلماء، والذي تبين أنه مخصص لعلماء المسلمين، إلا أن الشيخ طلب منهم السماح لي بالجلوس، تركوني الضباط وحدي، و جروا من معي في السجادة إلى الخلف، كتمت أنفاسي لدقائق متسائلا عن هوية الجالس بجانبي، والذي جلبت له الماء و القرآن؟، ابتسم و عرفني بنفسه، وهو أحد علماء المسلمين، و أخاه أحد أئمة الحرام، نزل الشيخ ماهر المعيقلي إلى أرض الحرم من الجهة اليمنى، يحرسه أثنين من كبار الضباط، رائد و عميد، مرتدين بدلة مختلفة تماما عن حراس الكعبة و ضباطها، أقيمت الصلاة
صليت في الصف الأول و الإمام في شمال غربي تماما، ترتيل ممتع أشعرني بخشوع لم يسبق لي أن شعرت مثله من قبل، وفاضت مدامعي عند تلاوته لسورة " ق "
بسم الله الرحمن الرحيم
ق وَالْقُرْآَنِ الْمَجِيدِ (١) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (٢) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (٣) قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ (٤) بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (٥) أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (٦) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٧) تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٨) وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (١١) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (١٢) وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ (١٣) وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (١٤) أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (١٥) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (١٧) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨) وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (٢٠) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (٢١) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (٢٢) وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (٢٣) أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (٢٤) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (٢٥) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (٢٦) قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (٢٧) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (٢٨) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٢٩) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (٣١) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (٣٢) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (٣٣) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (٣٤) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (٣٥) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٦) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧) وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (٣٨) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (٣٩) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ (٤٠) وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ (٤١) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (٤٢) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (٤٣) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ (٤٤) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (٤٥)
صدق الله العظيم
لم أتمكن من حبس دموعي مع قوله عز وجل " يوم نقول لجهنم هل امتلأت و تقول هل من مزيد"، عندها قلت لنفسي " هذا الحجي .. هذا الحجي.. “، لم يستطع العقل سوى أن يحول ذلك الموقف أمامي، أن أقف في يوم الحساب، يوم لا ينفع فيه لا مال ولا بنون، الجميع يبحث عن المخرج و الشفاعة، وأنا بداخلي لا أعرف إن كنت على حق أم باطل طوال حياتي، و الكتاب الذي علي يميني لا يمكني إزالته أو تعديل في سيرته، ويبقى التساؤل الأبدي هل سيدخلني ربي إلى الجنة بعد رحمته، و يغفر لي ما تقدم و ما تأخر لي من ذنب؟، الآية السابقة من أكثر الآيات التي أخشاها في حياتي.
بعد أن أفرغت من صلاة الفجر، شرح لي الشيخ بعض الأمور الدينية بعد أن شاركته بإحساسي خلال رحلتي الأخيرة هذه، وسألته هل يحق لي أن أقرن لقب " عالم " إلى إسمي بمناسبة صلاتي هذه بجانبك؟ ابتسم وقال لي " ستغدوا يوما عالما في مجالك بإذن الرحمن" ، عرفته بإسمي " قرمت القرمتي " من الكويت، استفسر عن أخوالي، والذين التقيت بأبناء عمومة " الخوال "، و الذين قدموا من الخبر و الرياض معنا للقائي، قضيت أوقات ممتعة طوال يوم الخميس.
بعدها قررت الذهاب إلى الغرفة للمبيت فيها، صحيت بعدها لأداء صلاة الظهر، والحمد الله إنني تمكنت من أداء جميع صلواتي في الحرم المكي أمام المقام، على الرغم من الازدحام الشديد الذي شككني بأنني في الحج، وجدت مكانا شاغرا في الساحة.
الصلاة في الحرم المكي له مذاق متميز، البقاء بجانب الكعبة لا تجعلك شعر أبدا بالتعب من الوقوف، الركوع، أو السجود، حتى إنك تشعر بنفس غريب تأتيك، نسمات الهواء الشمالية و الجنوبية و الشرقة و الغربية كلها تضرب وجهك وقلبك معا، تشعرك بالأمان، تنسيك بالعالم الخارجي، حتى إنني لم أفتح التلفزيون أو هاتفي النقال سوى للضرورة من حين إلى آخر.
في يوم الجمعة، بدأت صباحي منذ الساعة الثالثة فجرا لأداء صلاة الفجر، بعدها رجعت إلى غرفتي، بعدها في تمام الساعة الثامنة توجهت إلى الحرم لأجلس أمام المقام، و الذي اعتكفت فيه إلى أن أذن الظهر في تمام الساعة الثانية عشر و سبعة و عشرون دقيقة، أعتلى أمامي الإمام السديدس، والذي فاجأني، على الرغم من قدومي للعمرة ثلاثة مرات، إلا أنني لم أصادف معه صلاة الجمعة،و التي تمنيت أن يكون هو خطيبها، و فعلا حقق ربي هذه الرغبة.
جلست أستمع لخطبته التي كانت مخصصة للإعلام و الكتاب و الصحافة و أهمية دورها، وكأنه يوجه حديثه إلي، لم تفارقني الابتسامة طوال خطبته، و طوال اليوم، إلى أن وصلتني رسالة بعد أن أفرغت من صلاة العصر، و شرعت في الصلاة في حجر إسماعيل مجددا، " كدرتني "، عاودت اعتكافي في مسجد الحرام.
من المواقف المضحكة في العمرة إنني تعرضت للسرقة ! نعم " إنبقت! “، لم أجد سوى طبجة واحدة من حذائي بعد صلاة الجمعة، خرجت من المسجد مرتديا " طبجة* واحدة "، احترقت رجلي من حرارة شمس الظهيرة العالية، وصلت إلى بوابة الفندق، والذي قابلني أحد " الطرارين " يطلب مني المال، وكان ردت فعلي " بالذمة .. شوف ريلي، نعال مثل الناس ما عندي، وياي تبي فلوس الله يهديك بس؟، ضحك ضحكة هيستيرية، ومضى في طريقه، على فكرة لم يكن لباسه الراقي يدل على أنه محتاج!”، " زين دامك ماخذ الطبجة أخذ الثانية شماله مخليها؟".
شعرت بالذنب بعدها نزلت بعد أن اشتريت حذاء جديد من " بن داوود "، بحثت عنه ولم أتمكن من التوصل إليه، وزعت ما خصصته من مال قبل قدومي من مكة لتوزيع من صدقاتي و صدقات الأهل و الأصدقاء، بالإضافة إلى أعمال الله يعلم بها، ويحسبها في ميزان حسناتي و حسنات الجميع بإذن الله.
أما المنظر الغريب الذي شهدته قبل رحيلي من مكة بعد أن طفت طواف الوداع، إن الجميع توقف في لحظة أشبه بالأفلام السينمائية عندما نادى المؤذن بالصلاة على الأموات يرحمنا و يرحمكم الله، الجميع بعد أن انتهت صلاة العصر أكمل طوافه، إلى أن نادى المؤذن بالجميع من تواجد في الحرم المكي الصلاة عليهم، الجميع من كان متواجد توقف فجأة عن الحركة، في لحظة بمن فيهم من كان يطوف البيت، تجمد الجميع في هذه اللحظة، و صلوا على الأموات،الجميع نال أجرا يوازي جبل أحد يوم القيامة بإذن الرَّحْمَنَ، صليت ما يقارب العشرين صلاة ميت خلال فترة إقامتي هنا.
في نهاية الرحلة و مع طواف الوداع تمنيت و دعيت أن يغفر لي ربي لما تقدم و تأخر من ذنوبي، و أن يكتب لي الحج هذا العام، إن أطال الرب من عمري، و إن شاء الله نعود إلى بيت الله خلال الشهور المقبلة.
* انتهى المبحث الأول*
*الطبجة هي فردت الحذاء أعزكم الله.
تقبل الله
ReplyDeleteوالموقف اللي صارلك موصج
منا و منك صالح الأعمال
ReplyDeleteفي كل سفرة أقوم بها تصادفني أشكال و أنواع من المواقف المبكية و المضحكة، حتى إنني أستغرب إن لم يحدث لي شيئا أثناء أي رحلة
اندمجت ما شاء الله سردك
ReplyDeleteجميـــل جدا
جان خليت الطبجة
(عزك الله )
سبيل عشان ياخذ
الطبجتين مره وحده
تقبل الله طاعتك
و عمرة مقبولة
و عسى الله يرزقك و يرزقتنا حجه
********************
aL-NooR,
ReplyDeleteمنا و منج صالح الأعمال إن شاء الله يزاج الله خير،
إن شاء الله يرزقنا حجة إلي بيته
أما " الطبجة " رديتها الحرم فجر السبت، وقلت ما ني قايل غير الله يسامحه
خليت له الطبجة الثانية في نفس المكان كود يلقاها و يلبسها ملبوس العافية إن شاء الله
الحمدلله على السلامة وعمرة مقبولة
ReplyDeleteبارك الله بقلمك وبكل امورك
موضوع مميز
am beyond words
لي عودة
ReplyDeleteاحتاج اكون مسترخية في مملكتي عشان اتمزمز بالبوست
:)
Chandal,
ReplyDeleteمنا و منك صالح الأعمال يزاج الله خير، إن شاء الله يتقبل منا
I'm glad you liked the post, I wrote it yesterday afternoon from Mecca to Jeddah, It was almost an hour and a half road trip. But I kept a small notepad to write down my mini-journal and this the result.
الزين
ReplyDeleteخذي راحتك في مملكتك، البوست طويل نوعا ما، أدري أدري بس لزوم السفر
و الإيجاز في كتابي الجامع الوجير في غرائب أسفار القرمتي غير مقبول تماما
:-)
Great one , keep it up :)
ReplyDeleteBu-Bdr,
ReplyDeleteWell my first anonymous comment! Thanks, glad you liked it.
أخ قرمت ..اسمحلي أقولك
ReplyDeleteبوست عن بوست أقرأه ..يزيد متلازمة "التسبه" عندي
ودوارن ترس الخيالات لدي
لكن ما عساي إلا أن أصرخ بإعجاب قائلةً
Ary waaah
:)
ودمتم
Kal ho na ho,
ReplyDeleteعسى ما دختي من البوست بس؟
ما فهمت شنو قلتي في النهاية إن شاء الله يكون شي طيب بس مو شين
:-)
والله إنها كلمة زينة..
ReplyDeleteيعني شي أقوى من الـ ما غنفسنت
وخصوصا اذا اقترنت الكلمة بهزة راس ورفع اليد اليمين جنك بتقول : عطونا الله يعطيكم بيت مكة يوديكم
:))
ودمتم
ترددت في إكمال قراءة هذا الفصل حين وصلت إلى الأسطر الأولى من المقدمة..،
ReplyDeleteساعات ..، ثم عدت وأعدت القراءة حتى انتهى هذا المبحث..،
\
ما زال في القلب ألم ودموع مشتاقة لـ بيت الله//
شدوا الرحال بالأمس.. وبقيت هنا أدعو بأن يكتب الله لي عمرة وييسرها مع رفقة طيبة..،
أشاهد الصلوات مباشرة من الحرم المكي وأشتاق..،
ودعوة أخبؤها في صلاتي بأن يأتي من يأخذني للعمرة كل شهر//
ويعوضني فقدي وشوقي كل هذه السنوات من عمري..،
شدوا الرحال وبقيت صامتة .. و دموع وشوق لا أبينه لأحد هنا..،
فقط دعاء وصبر ورضا أتمسك به كلما حزن قلبي..،
وبدأت أخاف من تأخر عمرتي..،
رغم ترديدي ويقيني ان في ذلك خير لا أعلمه ولا يدركه تفكيري//
\
وصفك يجدد الحنين لمكان لم تطؤه قدماي بعد ..،
فـ كيف لي بالفراق إن زرتها ؟؟
\
استغربت من طريقة كتابتكَ لـ " اللاتَ وَالْعُزَّى" ورحت أبحث فوجدت أنها مكتوبة في صفحات النت بالطريقتين !!
\
جميل أن تكون وحدك هناك..،
تخرج قبل الفجر من غير سؤال أحد أو شخص يثبط من همتكَ..،
~ جميل موقفك مع الشيخ وتفاصيل القصة معه
يزاه الله خير يعلم للخير والأجر والثواب من الله ..،
سبحان الله كيف انه المكان مليء بالخير اللي ما نلقاه بأي مكان ثاني ..،
~ الموقف أعطاني جانب .. أتأمله..،
\
أقرأ ما كتبتَ ولكن لم أتوقع أن تأتي بذكر "الشيخ ماهر"
قرأت ما سبق بهدوء ولكن إلا أن يأتي ذكر هذا الإنسان فأتذكر صوته .. أسمعه في رأسي وأحتاج أن أبكي شوقاً هذه المرة..،
أتذكر رسالة صديقتي قبل أيام .. تدعو لي بأن أصلي خلف الشيخ ماهر..،
~ حقاً بدأت أشعر بأن نزول هذا المقال اليوم مقصود لي ..،
بالأمس سافر أقاربي واليوم هذا الموضوع وذكر "الشيخ ماهر"
~ أيقن بأن هناك حكمة لهذه الأحداث ،
سبــحان الله
\
دموع أحبسها في عيني وأكمل..،
سورة " ق " لتذكرني بتقصيري في قراءتها وتكاسلي ..،
أخي أحسن الظن بالله
قال الله تعالى :
أنا عند ظن عبدي فليظن بي ما شااااااء
~ نسأل الله الجنة
صحيح لاحظت الزحمه في الحرم ما شاء الله ..
,,الشيخ السديس كان لعدة أيام من الأسبوع الماضي خارج المملكة وربما رجع إليها الخميس أو الجمعة .. الله كتب لك اللي تمنيته
\
ما فهمت الرسالة اللي وصلتك وكدرتك ؟؟
\
الله يكتب لك الأجر بـفقد الحذاء
\
تخيلت المشهد الأخير الكل تجمد فجأة ..،
,, الله يكتب لك و لنا الحج هذا العام وييسره
جزاك الله خير على هذا الموضوع..،
* عذراً / التعليق طويل!! بس مو أطول من البوست
حالمة،
ReplyDeleteأتمنى من الرب أن يكتب لك العمرة و الحج بإذن الرحمن، الأداء للمناسك كان سهلا جدا على الرغم من شدة الازدحام أثناء تواجدي في الحرم المكي
أما بخصوص كتابة الأصنام فهي تختلف الكتابة فيها، و اخترت ما دونته و في كتابتي تحتمل الخطأ بالطبع.
أما بالنسبة لسورة ق، فهي صورة لصيقة لذهني، أنا دائما محسن الظن بربي، ولكن أجدها أكثر السور القرآنية التي تخيفني.
I actually enjoyed reading through this posting.Many thanks.
ReplyDeleteمخصص السجاد